29 مارس، 2024

نظام التفاهة (٤)هل حقاً هذا رئيسُكُم؟

4 كانون الثاني 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/135578

كنت بين خطباء المهرجان، احتفاءً بعودته (عون راجع) في إبل السقي. لست نادماً. كنّا نحتفل، في الوقت ذاته، بنهاية كابوس الوصاية. في علم اللغة، قيل إنّ الإنسان من النسيان. صارت «حرب التحرير» و»حرب الإلغاء» وقصف «بيروت الغربية» خلفنا، لأنّ سعادة اللبنانيين بخروج الجيش السوري طغت على مداركنا.

كل 14 آذار دخلت، منذ ذلك الحين، في وهم التحرر الوطني ولا تزال بقاياها غارقة فيه. لبنان السيد، الحر، المستقل بات في مرمى مخيلاتنا، وشعار «ما بدنا جيش بلبنان غير الجيش اللبناني» صار تحقيقه، في ظنّنا، قريب المنال. لم نكن نعلم أنّ قذائف الحماسة وحدها لا تبلغ النصر وأنها تحتاج إلى حشوات إضافية كي تصيب الهدف.

الكفاءة ليست شرطاً للترقي الوظيفي في إدارات الدولة أو في الشركات الخاصة فحسب. هي شرط للترقي الاجتماعي والثقافي وفي كل شؤون الحياة والحضارات والتاريخ وبناء الدول. حتى في نظرية داروين تستند المخلوقات إلى مبدأ الكفاءة لكي تنتقل من طور إلى طور.

في نظام التفاهة انقلبت المعايير. «كنا في أحلى الفنادق جرجرونا عالخنادق». استشرف زياد رحباني هذه الحقيقة قبل عامين على انفجار الحرب الأهلية. من دولة استدانت الهند منها قرضاً بالليرة اللبنانية، وقدّمت مليون دولار مساعدة لهولندا لمعالجة آثار الفيضانات فيها، إلى دولة باتت إنجازات مؤسسيها أطلالاً.

من دولة كانت شركة الكهرباء فيها تغذّي الخزينة العامة بالمال وتصدّر الفائض من إنتاجها لإنارة سوريا، إلى دولة حوّلها الاستبداد القومي والميليشيوي، اليساري واليميني، الطائفي والعلماني، إلى منهبة وأطبق عليها الظلام.

نظام التفاهة هو نظام القهر. الاستبداد بالرأي قهر. استخدام فائض القوة قهر. نصرة الظالم قهر. مخالفة قوانين الطبيعة والعلم والقوانين الوضعية قهر. الترقية على الهوية ليست أقل عنفاً من القتل على الهوية. القول العوني بمطر مسلم ومطر مسيحي، بحرائق مسلمة وحرائق مسيحية، يشبه ما قرأناه على الجدران في أعقاب الاشتباكات في شرقي مدينة صيدا، «هذه بناية مسلمة». هذا قهر لإيماننا بوحدة الوطن والدولة والقانون والدستور.

خلو البرلمان من المشرّعين وتعيين الطبيب وزيراً للأشغال والمهندس وزيراً للصحة واللص أميناً للصندوق والأمي «متعاملاً» في وزارة الإعلام والجاهل أستاذاً جامعياً هو قهر يشبه قهر من يخسر الانتخابات ويتصرف كمنتصر فيها. حين قال رئيس أميركا المجنون دونالد ترامب إنّه سيقبل بالنتائج في حال فوزه فحسب، ظنناه مازحاً لأنه قالها مقهقهاً، ولم نكتشف حقيقة ما يضمره إلا بعد تنظيمه هجمة على مبنى الكونغرس.

البارحة طلع علينا صاحب «العهد المشؤوم» بدعوة اللبنانيين إلى انتخاب رئيس يكمل المسيرة. ليتابع قهرنا من خارج القصر، مثلما فعل النظام السوري الذي احتل، من خارج الحدود، عقول لبنانيين مناصرين للظلم والقهر والاستبداد.

فيما كنا نتحدث عن الكفاءة كركن أساسي في بناء الحضارات، سألني صديق من بلاد العرب، هل حقاً هذا رئيسكم؟ لم يصدق أنّ لبنان الإبداع والتألق من حسن كامل الصباح في القرن الماضي حتى محمد المير، الطفل الطرابلسي الأول على أطفال العالم في الحساب الذهني، وبينهما كل العباقرة في الطب والهندسة والتجارة والمال والأعمال والرياضة والرسم والموسيقى وكل الفنون، لبنان هذا أعاده حكامه إلى زمن «الرويبضة»، إلى الزمن الذي «يسوس العامة فيه سفهاء العامة».

قلت له، حتى الذين انتخبوه لم يصدّقوا. بعضهم ندم وبعضهم، للأسف، ما زال يبحث عن شبيه لمن لا يشبه أحداً ويشبهه كثيرون.