
9-5-2025

9 مايو، 2025
جريدة الحرة
محمد علي مقلد

الطريقة الوحيدة التي نغادر فيها منطق عنترة في الحرب هي أن نقرأ تسجيلات عبد الناصر، صحيحة كانت أم غير صحيحة، مثلما يقرأ نزار قباني الحب. “الحب في الأرض بعض من تخيلنا، لو لم نجده عليها لاخترعناه”.
بها نبرأ من مرض التعداد. في القضية القومية، مئات الملايين من العرب وبضعة ملايين يهودي. نحن ننجب وهم لاينجبون. يقول راسين الشاعر الفرنسي، عمر الفتى لا يقاس بعدد السنوات. ويقول الشاعر الزجلي، تنعشر حج بيسووش حج وحج بيسوى دزينة. وفي القرآن الكريم، كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين (الآية 249 من سورة البقرة).
بها نبرأ من مرض التاريخ. هل ما زلنا خير أمة أخرجت للناس؟ نحن محكومون بالجهل “المقدس”، السياسي والثقافي، منذ ما يسميه محمد عابد الجابري محنة إبن حنبل ونكبة إبن رشد، وحتى اغتيال بطرس غالي المصري وناجي العلي الفلسطيني والمهدي بن بركة المغربي وشكري بلعيد التونسي والشيخ حسن خالد اللبناني وملايين الشعب السوري.
نحن محكومون بالأوهام هرباً من وقائع التاريخ المؤلمة. مدافع نابليون لم توقظنا من سباتنا. انتظرنا بوعزيزي يحرق نفسه لننتبه إلى أنهم، “من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر”، و”من الخليج إلى المحيط، كانوا يعدون الرماح… كانوا يعدون الجنازة” (محمود درويش)، فيما كان العدو الصهيوني يعد العدة من الطائرات وبصمات عيون المقاومين وأصواتهم وأرقام هواتفهم وبيجراتهم، تاركاً لنا البهورات ورباط الخيل والصواريخ الكلامية والباليستية بعد صواريخ الظافر والقاهر والناصر.
بها نعيد الاعتبار لعبد الناصر البطل القومي العربي. هو الوحيد الذي لم يرفع شارة النصر بعد الهزيمة. هو استقال ونحن أقنعناه بالعودة عن قراره الصحيح، وأرغمناه على دفن رؤوس العنجهية الفارغة في رمل الهزائم، وعلى دفن النقد الذاتي في أشرطة التسجيل النائمة منذ ستين عاماً.
لا يصدقها المتحدرون من جيل النكبة والنكسة، من جيل الأسماء غير الحسنى للهزيمة، الذي لم يقتنع بأن نقد الماضي هو الطريق الصحيح لبناء المستقبل. حين أعلنت إسرائيل أنها لم تنتصر في حرب 2006 لم نضحك في سرنا فحسب، بل تجاوز هدير قهقهاتنا كل الحدود ونمنا على حرير انتصار إلهي إلى أن اعتدنا على أن ننتصر حتى ونحن مهزومون. العقل ذاته الذي لا يصدق التسجيلات لا يصدق أنه لم يبق حجر على حجر في قرى الجنوب وما زلنا نهدد ونتوعد ونرغي ونزبد.
لكن، تصدقها أجيال ما بعد النكسات والنكبات والهزائم، أجيال العلوم الرقمية التي تقرأ عن الاستخارة والضرب بالرمل وقراءة الكف في كتب التاريخ. ويصدقها من يتعلم من أخطائه لا الذي يتبرأ منها. يصدقها من يؤمن بأن الأوطان الحديثة تبنى وتحكم بالدساتير والديمقراطية لا بالاستبداد.
مقالات ذات صلة
هل نصدّق تسجيلات عبد الناصر؟
هل نصدق تسجيلات عبد الناصر؟
هل نصدق تسجيلات عبد الناصر