12-8-2012
مشروع قانون الانتخاب هو، في نظر الحزب التقدمي والمستقبل، مؤامرة على تمثيل الطائفتين الدرزية والسنية، من شأنها تمكين قوى الثامن من آذار من التسلل إلى عرينهما الصلب واختراقهما بدفرسوارات، أو “مفاتيح صدئة” ، لن تجد مكانا لها في هيكل التمثيل السياسي اللبناني بغير هذه الوسيلة، وبذلك تكون الكتلة النيابية المتماسكة لفريق 14 آذار ، خصوصا بعد خروج جنبلاط منها ، قد تفككت ، فتذهب ، إلى غير رجعة، الأكثرية ” الوهمية” التي تشكلت في دورتين انتخابيتين متتاليتين.
فريق 8 آذار موافق ضمنا على هذا التحليل ، ولذلك سارع وزايد في شأن قانون يؤمن لهم تعادلا في الصف المسيحي، لا يفضي إلى تعديل جذري في الموازين الحالية ، بل يقتصر على تبادل في بعض المواقع. لكن الفريقين يتوقعان أن يكون الخرق ، بواسطة “المفاتيح الصدئة” ، كبيرا في كتلتي جنبلاط والحريري، بل أكبر بكثير من خرق يمكن أن تحدثه النسبية داخل كتلة “الشيعية السياسية ” ، التي ستحاول التعويض عن دور الوصاية السورية بمزيد من التشديد على المقاومة وسلاحها وعلى تخوين من يترشح ضدها ، على غرار ما فعلته في الدورة الماضية ، يوم رأت في الانتخابات عملية استفتاء ، لا عملية اقتراع واختيار حر، مع ما في السؤال الاستفتائي من خدعة إيديولوجية لا تخفى مراميها على أحد.
هي لعبة على المكشوف إذن . ومن الطبيعي أن يعترض على النسبية من يتوقع أن تفقده بعض المقاعد النيابية. ومن المؤكد ، في هذه الظروف الملموسة وفي ظل المشروع المقترح ، أنها ستؤدي إلى انخافض حصته . كما أنه من الطبيعي أن يتحمس لها من ستمنحه ، في ظل الآليات المتوقع اعتمادها ، مقاعد إضافية في البرلمان.
لكن من حق المتضامنين مع جبهة 14 آذار طرح السؤال عليها عن جدوى الحصول على النصف زائدا واحدا ، خصوصا بعد حصولها عليه مرتين متتاليتين من دون التمكن من الاستفادة منه ؟ يعود ذلك ، على ما نعتقد، إلى أن الأغلبية والأقلية في ظل هذا النظام الانتخابي لا تتشكلان بآليات ديمقراطية ،بل بغلبة قائمة على الشحن المذهبي أولا، وعلى توازنات خارجية ثانيا. المشكلة إذن في الآليات غير الديمقراطية ، وهنا ينبغي تركيز البحث لا على السلاح ، طالما أن دور السلاح سيء وتزويري في النسبية وفي سواها.
والسؤال ذاته يطرح على المتحمسين للنسبية من أهل الحكم ، ما مبرر تأييدكم للنسبية طالما أنكم رفضتم نتائج الانتخابات مرتين متتاليتين، وزعمتم أن الأكثرية في المرتين لم تكن سوى أكثرية “وهمية ومزورة” ، وتمكنتم من التلاعب بنتائجها بعد إجرائها ومن تعديل الموازين النيابية بأساليب غير ديمقراطية ، بالقمصان السود مرة وبحصار السراي مرة أخرى؟ وجوابنا على ذلك أن دافع الحماس للنسبية ليس مرده البحث عن حل لأزمة النظام السياسي ، بل السعي إلى تعميق مأزق النظام السياسي والانتخابي وتعطيل الديمقراطية بإسلوب جديد.
فريق 14 يريد تأمين الأغلبية بقانون انتخاب أكثري ، وفريق 8آذار يسعى وراء الغاية ذاتها عبر النسبية. كلاهما راغب في إلغاء الآخر ، لأن النظام الأكثري ، في الظروف اللبنانية الملموسة ، ليس سوى إلغاء للآخر ، وبالتالي فإن نظام الحكم المفضل لدى الطرفين هو صيغة من الاستبداد مبتكرة ، مغلفة بشكليات الديمقراطية وحكم القانون، لكنها ، في الواقع والحقيقة ، تنتهك القانون حين تجعل المواطنين غير متساوين أمام أحكامه ، و توظف عملية الاقتراع لا لتجسيد حرية الرأي ، بل لسوق المقترعين بالسوط المذهبي والطائفي.
نظام الانتخاب الأكثري هو ، في الظروف اللبنانية الملموسة ، نظام استبدادي ، لأنه يلغي النصف الخاسر . هنا تكمن المشكلة ، لا في التقسيمات الجغرافية ولا في الآليات الإجرائية ، ولا في سواها. لكن مشكلة النسبية ، في المقابل ، تكمن في أن مخيلة المؤيدين لها والمعترضين عليها تقف عند الآليات التطبيقية المعتمدة في النظام الأكثري .
قوى 14آذار مطالبة بالموافقة على النسبية لأنه لا حل صالح سواها ، وقوى 8آذار مطالبة “بأن تخيط بغير مسلة ” التشاطر على خصومها وعلى المواطنين . والطرفان مدعوان ، وسواهم أيضا، إلى الارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية والبحث عن حل للمأزق الوطني ، لا الغرق في وحول المصالح الفئوية الضيقة .
إن قبلوا ووافقوا على لعب هذا الدور ، فما أكثر الاقراحات . وعباقرة ابتكار الصيغة المناسبة حاضرون للمساعدة.
مقالات ذات صلة
تعديلات على بيان بعبدا
صقر شريك في الخطيئة
تعديل على الاستقلال المقبل