13-5-2012
قديما كانت القصور توظف من يتولى الإشراف على تربية ولي العهد وتعليمه وتدريبه على كل شيء: من المشي في القصر أو في الاستعراضات ، إلى الوقوف أمام الزوار وتلاوة الأمر الملكي ، أو الفرمان السلطاني ، الخ .
حديثا تكرست في القصور وظيفة مدير التشريفات والبروتوكول التي تدرب سيد القصر على كل شيء أيضا ، بما في ذلك مثلا أي قدم ينبغي أن تكون الأولى على السجادة الحمراء.
قديما كان أهل القصور يتدربون على الخطابة ، وحديثا صارت مادة الخطابة إلزامية في الصفوف الثانوية وفي المدارس الدينية ، حرصا وقفة من على من يعمل في الحقل العام وعلى طلته ومظهره حين يتواجه مع الجمهور
أحيانا يتدرب أهل السياسة من غير مدرب إذا كان المبتدئ منهم قد تربى في بيت سياسي ، فيتعلم بالقدوة أصول التخاطب وآداب المحاورة وقواعد السلام والكلام .
… للأسف ، كثيرون من سياسيي لبنان ، لا يعرفون من الأصول لا قديمها ولا حديثها ، ولا تربوا في بيوت سياسية ولا كلفوا أنفسهم عناء التدرب على أي من تلك القواعد. لذلك يظهر معظمهم بما لا يليق بهم وبمواقعهم وبمسؤولياتهم . يقفون للخطابة كأن واحدهم الحجاج أو شيشرون ، لكن من دون فصاحة أي منهما ، ومن دون هيبته.
لا نعرف كيف يتعاملون مع آداب المائدة أو مع نسائهم أو مع مرافقيهم أو في غرف نومهم ، لكننا بالتأكيد نراهم بأم العين أمام العدسات في تصريحاتهم المتلفزة، أو في حواراتهم المصورة ، وصرنا نتخيل طريقة ظهورهم وأسلوبهم في الرد على الأسئلة…وفي ذاكرة اللبنانيين صور من مشادات ومشاجرات وتهديدات وعنتريات في المجلس النيابي أو على حلبة البث التلفزيوني .
أبرز المناسبات التي يتندر بها اللبنانيون وينتظرونها أول كل أسبوع هي المؤتمر الصحافي للجنرال عون ، الذي تحول بالكاميرا وبأسئلة الفضوليين من أهل الصحافة إلى مادة للسخرية من جهة وللشفقة من جهة أخرى .
سخرية من هذا الانحدار المريع في مستوى الخطاب القيادي ، وفي قلة الحيلة وضعف الحنكة وتفاهة المعنى
وشفقة على حال الوطن الذي راح يخلو ، شيئا فشيئا ، من رجال الدولة الذين يرون إلى أبعد من مصالحهم الضيقة ، وتفيض كراسيه برجال سياسة ينطبق عليهم قول الشاعر:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
فتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
سألت رئيس التحرير مرة أن يطالب نقابة الصحافة بمعاقبة أي سياسي يخالف آداب الحوار، بمنع وسائل الإعلام عنه وبمسح ما يتعارض مع القيم من تصريحاته .
وسألت محاميا : هل لنا أن نتقدم بدعوى أمام القضاء اللبناني، بالحق الشخصي وبالحق العام، على مثل هؤلاء، لأنهم يسيؤون إلى القيم والأصول والآداب والقواعد ، ويشيعون الفساد ويعلمون بالقدوة على التهور في الكلام والإساءة الأخلاقية ، ويبنون سلما من القيم بعيدا من عاداتنا وتقاليدنا التي تعلمناها من أهلنا وأساتذتنا ومن أدياننا وفي مدارسنا. إنهم يسيؤون إلى معنى الوطن وإلى هيبة الدولة .
وسألته : ألا يحق لنا ، لأي لبناني محب للجنرال، أن يطالبه بالتدرب ، ولو متأخرا ، على نسيان اللغة الأوامرية العسكرية ، لغة الضابط الذي في داخله ، وعلى تعلم “درج عرج” من كتاب السياسة؟ أن يقرأ ابن المقفع و مكيافيلي ومذكرات فؤاد بطرس ؟؟؟
وإن ظل ممعنا ، أن يدعي عليه بجرم تأسيس مدرسة في الخفة الكلامية وقلة الاحتراس ؟؟؟
وإن ظل ممعنا …أن نطالب القضاء بأن يصدر عليه حكما بالحجْر السياسي؟؟؟
قال المحامي : لا أحسن الفتوى بهذه القضية . ونصحني بأن أكتب عنها مقالة
مقالات ذات صلة
تعديلات على بيان بعبدا
صقر شريك في الخطيئة
تعديل على الاستقلال المقبل