14 آذار 2020
هل هي صدفة أن تخلو لائحة الموقعين على بيان حركة المبادرة الوطنية من أسماء صانعي الثورة من جيل الشباب، أم أن هؤلاء لم يلبوا دعوة آبائهم للمشاركة في تأسيس هذا الإطار الجديد، أم “إن الطيور على أشكالها تقع”؟
لا. لم يكن ذلك صدفة. نحن، جيل الآباء، خضنا غمار تجربة الحرب الأهلية بالانخراط المباشر فيها أو بالتبشير بها أو بالتهليل لها، وعندما حطت أوزارها اكتفى كل منا بتعداد أخطاء الآخرين. كانت قضيتنا واحدة وإن على جبهات متقابلة. كنا نخوض معارك التحرير، تحرير الوطن من مواطنيه، من “الانعزاليين” أو من “اليسار الدولي” والعربي أيضاً. واستجرنا من رمضاء خصوم الداخل بنار القوى الخارجية القريبة والبعيدة، حملنا سلاحها وصوبناه على أبناء الوطن.
جيل الشباب لم يشهد شرور هذه الحرب، وهو فجر ثورته على السلطة الحاكمة لأنها مصرة على إدارة شؤون الوطن بالنهج الميليشيوي ذاته الموروث من أيام الحرب، وهو نهج نقيض للدولة الدستورية ويتلطى خلف شعارات الحرية والتحرر من عدو خارجي ما، وهي شعارات دخلت في أسماء العديد من الأحزاب والتجمعات والتكتلات السياسية والنيابية. لا يعني ذلك أن “قتل الأب” هو باب الدخول إلى الثورة بل إن الولوج إليها يتم بالتفاعل معه والاستفادة مما في تجربته من دروس مفيدة وجوانب مضيئة، وهو أمر يتطلب إنجازه التعاون والتكامل بين الجيلين، جيل الخبرة وجيل الجرأة والحيوية.
غير أن أمر الثورة لا يتعلق بالأعمار وعدد السنوات، فبين الآباء من هم أكثر نشاطاً وحيوية واندفاعاً من بعض الأبناء، وهذه هي حال الموقعين على بيان المبادرة الوطنية، ما يجعلهم مؤهلين للانخراط في صفوف الثورة بل لتبوؤ مكانة طليعية وقيادية فيها، شريطة خروجهم من بعض ملامح المنطق الذي ساد في تجربتهم الأولى، من بينها تحويل الخصومات السياسية إلى عداوات أو تحويل التنوع والتعدد إلى عامل فتنة واقتتال، وخروجهم من فرضيات التحرر والتحرير وشن الحروب ضد عدو خارجي. مثل هذا التفاعل يمكن بناؤه على قاعدة صلبة قوامها إجماع جيل الآباء وجيل الشباب وجيل المخضرمين على كل البنود المتعلقة بإصلاح النظام السياسي.
من ناحية ثانية، فاجأ الجيل الشاب آباءه بمستوى رفيع من الوعي السياسي، خلافاً لانطباع مغلوط عنه كجيل عرف عنه تعلقه بالهواتف الذكية التي قلصت روابطه المباشرة مع محيطه ومنعت عنه المعرفة عن طريق الكتب وأتاحتها في التطبيقات والموسوعات المحفوظة في الأرشيف الكوني.
هذا الجيل المنخرط بالثورة متنوع يضم بين صفوفه مجموعات تثقفت بثقافة حروب التحرير، وهي بتكرارها معزوفات قديمة عن المسألة الشرقية والثنائية القطبية، تقحم المتحمسين من الجيل الشاب في نضالات فوضوية وترميهم في أحضان أصوليات مرشدها الروحي نصوص عتيقة من كتب السلف الديني أو القومي أو اليساري. إن ذلك يزيد الحاجة إلى جيل الآباء، ولا سيما من غادر ماضيه بنقد ذاتي جريء وخلاصات مفيدة.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان