27 نوفمبر، 2024

بين الكورونا وسلطة المحاصصة

13 نيسان 2020

“مكافحة المحاصصة أصعب من مكافحة كورونا”. مقصودة هي أم زلة لسان وزارية؟ انتظرنا طويلاً أن تصدر الشكوى من داخل بيت سيّئ السمعة. أما وقد حصل فهذه المقارنة لا تفي بالغرض.

كلاهما ضد التجمعات البشرية، لكن الكورونا لا يقاتل لإلغائها، أما سلطة المحاصصة فقد بذلت الغالي والرخيص لفرطها، إلى أن وقفت خلف الوباء وخاضت الحرب ضد خيم الثوار في وسط المدينة، فيما الكورونا لم يرفض تظاهرة في طرابلس في عز الحجر المنزلي. لكن الثورة رأت أن السبيل لحماية شعبها يقضي بالانسحاب من الساحات، وبعد زوال خطر الجائحة ستكون جاهزة للعودة.

لا يبدي الكورونا ردّ فعل ضد من يسعى إلى تفاديه. يقبل منك أن تنظف نفسك بالمواد المعقمة فلا يدخل بيتك عنوة. فيما تشن سلطة المحاصصة هجومها عليك ولو تحصنت خلف الأسوار. تدخل إلى حياتك من غير استئذان، تسرق مالك وتسطو على أملاكك وتقاضيك إن تألمت أو شكوت، وفي الأغلب الأعم، تحكم عليك من غير محاكمة، وتصدر الأحكام من خارج قصور العدل.

كلاهما قبض على الأنفاس. الكورونا لا يمانع إذا تمكنت المختبرات العلمية من اكتشاف لقاح أو مستحضر طبي للعلاج، فيما سلطة المحاصصة تعتدي على ميدان العلم والعلماء، فيتخرج من بين صفوفها استراتيجيون في كل المجالات، ويتحول صاحب السلطة أو أحد أزلامه من “شبّيح” أو مخبر أو مستشار شخصي، إلى خبير في الطب أو الإلكترونيات أو اختصاصي في علم الجينات واللسانيات أو واحد من فقهاء القانون أو فلاسفة الاقتصاد. يقبضون على أنفاسك، وإن طالبت بعلاج فالويل والثبور وعظائم الأمور، فتستنتج أن رد الكورونا ممكن باللقاح والتعقيم والمستحضر، فيما وباء المحاصصة يلزمه نوع من المبيدات لم يكتشف بعد.

من صديقنا الدكتور حبيب فياض المقارنة التالية: “هل أدلكم على من هم أسوأ من الكورونا؟! هم أولئك الذين ما زالوا، برغم كل مآسي البلد، يتقاتلون على منصب وظيفي، ويتخاصمون على حصة إدارية، ويجهدون للإتيان بمستزلم، ويستغلون إنحباس الناس في البيوت للعودة إلى الفرعنة والنمردة.

أولئك ليسوا من البشر… بل شياطين خلقهم الله على صورة آدميين!!”.

مع أن الكورونا شرير غدار متوحش، فمن مآثره أنه أنقذنا وأنقذ الشاشات من معظم الوجوه المقيتة من سياسيين وماسحي جوخ وخبراء استراتيجيين، كما ألغى برامج حوارية أبطالها من الشتّامين، ليفرض بديلاً منهم وجه لبنان المشرق بمبدعيه في علوم الصحة والطب والاقتصاد والاتصالات والصناعة، وفي فنون الغناء والشعر والموسيقى والتمثيل ممن تطوعوا في خدمة الثورة والثوار ثم في حملات التضامن الاجتماعي لمواجهة الجائحة ؟

مع أنه لا تفاضل في السوء، إلا أنه لا حرج في القول إن الكورونا لا يميز بين شخص وآخر أو بين شعب وشعب ولا بين ذكر وأنثى، فيما سلطة المحاصصة تبتكر أشكالاً من التمييز محظورة في شرعة حقوق الأنسان، ولا تقرّ بها حتى أشرس الأوبئة.

قال لي صديقي إن تاريخ الأوبئة جزء من تاريخ الأنظمة والحضارات والدول، وقد حفظت الشعوب ما حل بها في زمن الجدري والطاعون والكوليرا والملاريا وحتى في زمن المجاعة فكان لكل منها ما عرف بأدب الأوبئة. أما سلطة المحاصصة فسيقول التاريخ عنها إنها وباء بلا أدب.

https://www.nidaalwatan.com/article/18736