28 نوفمبر، 2024

لا هي ثورة ماركس ولا الغفّاري

24 شباط 2020

https://www.nidaalwatan.com/article/15347

تنسب إلى أبي ذر الغفاري وإلى الإمام علي أقوال منها، ما جاع فقير إلا بما مُتّع به غني؛ لو تمثل لي الفقر رجلاً لقتلته؛ عجبت لمن لا يجد في بيته قوت عياله كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه. وينسب إلى ماركس اتهامه رأس المال بـ “نهب” القيمة الزائدة. لقد شكلت هذه الأقوال سنداً نظرياً لحركات احتجاج أو انتفاضات أو ثورات. فهل غرف الربيع العربي والثورة اللبنانية من معين هذا السند النظري؟

نشرت صور عن سبائك الذهب والمال المكدس في قصر زين العابدين بن علي التونسي، وقيل كلام كثير عن أموال منهوبة في حسابات البشير في السودان والمالكي في العراق ووزراء في الجزائر، وكلام مماثل عن أموال تولت المصارف اللبنانية تهريبها خارج الحدود، وعن ملكيات عقارية ومالية لسياسيين، وهو كله صحيح، لكن الثورات قامت لأسباب أخرى، إذ تمحورت الحلول لأزمات هذه البلدان حول القضايا المتعلقة بالدستور والقانون قبل أي قضية أخرى مالية أو اقتصادية أو سيادية. لقد أدرج بند استعادة الأموال المنهوبة، لا كقضية مالية أو رأسمالية، بل كجزء من لائحة الجرائم المتعلقة بانتهاك القانون، ذلك أن تحصيل الثروة استناداً إلى التشريع(المال النظيف) يختلف عن تحصيلها بالاختلاس أو بالطرق غير المشروعة كتبييض الأموال أو السرقة. أبلغ تعريف للمال المنهوب هو ما نظمه شاعر جنوبي قبل الحرب الأهلية في هذين البيتين:

يا مدير(وزير) الاقتصاد الوطني… قل لنا من أين أصبحت غني لم تتاجر ، لم تهاجر ، لم ترث…. عن أبيك الفذ غير الرسن

المال المنهوب الذي تطالب به الثورة هو ذاك الذي سطا عليه العاملون في الخدمة العامة في إدارات الدولة وأجهزتها ومؤسساتها. لكن المفارقة أنه كلما فاحت رائحة فساد في الدولة يسارع رجل السلطة إلى إبعاد الشبهة عنه إما بالتصويب على خصمه السياسي، وإما باللجوء إلى نظرية المؤامرة وإما بحصر التهمة بالأجهزة الإدارية أو بالمسؤولين عن الشأن المالي والمصرفي. لم تتمكن كل مراسيم الإصلاح الإداري من القضاء على الهدر، لأن أياً منها لم يعمل على استئصال الفساد من جذوره السياسية.

مكمن القوة في برنامج الثورة اللبنانية هو في إصرارها على الإصلاح السياسي قبل المالي وقبل الإداري وقبل الاقتصادي وقبل الصحي وقبل التربوي، لأن إعادة تمويل خزينة الدولة لا يشكل حلاً للأزمة ما دام اللصوص جاهزين لاختلاس أي تدفقات مالية من الديون والهبات وتحويلات المغتربين والنفط الموعود والمساعدات الخارجية.

إن كل كلام لا يركز على أولية الإصلاح السياسي وعلى استقلال السلطة القضائية لمحاكمة لصوص المال هو صراخُ خائفٍ في غابة أو حوار طرشان في مطحنة. والثورة ليست ثورة خائفين.