18 تموز 2020
في الجولة الأولى، لم تكن الثورة في حاجة لأن تتحلّق حول جهة أو قيادة أو إدارة. فقد لعب البرنامج دوراً جامعاً، إذ توحّدت حوله مواقف المجموعات المُشاركة في الثورة على امتداد الساحات اللبنانية. وهو برنامج يُمكن اختصاره بجملة واحدة: تغيير نهج السلطة على طريق تبديلها وإعادة تشكيلها، بهدف بناء دولة القانون والمؤسسات ذات السيادة على حدودها وداخل حدودها. وقد نهض البرنامج على مبدأين: الطابع السلمي للثورة والتغيير تحت سقف الدستور.
أنهت الثورة جولتها الأولى بنجاح مُنقطع النظير، وشكّلت علامة فارقة على خريطة الربيع العربي. وإذا كان وباء “كورونا” قد أبطأ مسيرتها وخفّف من زخمها، إلّا أنّ وباء سلطة المافيا الميليشيوية الذي يُهّدد البلاد بكلّ أنواع الانهيارات، يُملي على الثورة وضع خطّة لتزخيم تحرّكها.
برنامج الثورة المُعلن في السابع عشر من تشرين لا يحتاج إلى تعديل، بل إلى تركيز، وإلى بعض التوضيحات. منها أنّ الثورة لم تنفجر ضدّ النظام، بل ضدّ من جعلوا النظام البرلماني الديمقراطي اللبناني نظام محاصصة استبدادياً، وتوسّلوا السلطة سبيلاً لنهب الثروة الوطنية والمال العام.
في الجولة الأولى، سدّد الثوار على أهداف مُتعدّدة لإنهاك السلطة وإسقاط الحكومة. في الجولة الثانية، ضاق الخناق على المسؤول الحقيقي عن الإنهيار، وبات تشتّت الأهداف ثغرة تنفذ منها الثورة المُضادة.
من جهة أخرى، للنظام الرأسمالي في العالم أزماته، لكنّها في لبنان أزمة الإدارة السياسية لهذا النظام. لم تنفجر الثورة ضدّه، ولا ضدّ النظام المصرفي لأنه رأسمالي، بل بسبب طابعه المافيوي الميليشيوي، وتصدّت لنهب المال العام، لا لنهب القيمة المضافة التي يميل رأس المال دوماً للسطو عليها، وطالبت بمُحاكمة ناهبي المال العام الذين، إبعاداً للشبهة عن فسادهم السياسي، يصوّبون على الفساد الإداري، ويساعدهم أتباع نظرية الفقر والصراع الطبقي بالتصويب على الأغنياء.
تحليل الأسباب التاريخية للأزمة ومعالجتها مهمّة مؤجلة. المُلحّ الآن هو تفادي الإنهيار، ومُحاسبة سلطة أنفقت المليارات من غير أن تضع حجراً على حجر، وهدرت المليارات على الكهرباء، ولا كهرباء، وتغاضت عن تهريب المال والسلع الغذائية والنفط إلى سوريا، وأحجمت عن القيام بأي إصلاح سياسي، بالرغم من مُناشدة العالم والمؤسسات الدولية، وأمعنت في انتهاك الدستور والمؤسّسات، ولا سيّما في تعاملها مع السلطة القضائية.
إنّ قوى الثورة مُنكبّة اليوم على تجميع قواها، والتنسيق بين مجموعاتها وصوغ برامج للمستقبل، وهي حريصة على عدم السماح لقوى الثورة المُضادّة، من أتباع السلطة والمُمانعة، بالتسلّل لتشويه الثورة، وحرف مسارها.
تنجح الثورة في الجولة الثانية إن هي نجحت في دقّة التصويب، وفي رفع مستوى التنسيق بين مكوّناتها، وتشكيل مرجعيتها القيادية بأعلى درجة من الديمقراطية واحترام التنوّع.
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله