6 آذار 2021
الرأسمالية لها ما لها وعليها ما عليها. لا يعنينا من أمرها الآن سوى مفرداتها السياسية. مع الرأسمالية فقط رسمت حدود للأوطان وسيادة للدول. قبلها كانت سلطة السلطنة العثمانية ممتدة من جزيرة جاوا في إندويسيا حتى حدود النمسا في وسط أوروبا وحتى الأطلسي في المغرب العربي، من دون أن تمارس الدولة السلطانية سيادتها على كل هذه الأراضي أو أنها لم تكن تفهم من السيادة إلا الأتاوة. وقبلها أيضاً كانت الجزر والمقاطعات الإيطالية موزعة بين القيصر الروسي والملكين الإسباني والفرنسي. لم تمارس إيطاليا سيادتها على أرضها إلا بعد أن صارت دولة وأمة.
لكل مصطلح تاريخ وشجرة نسب. السيادة تحيل إلى الدولة والدولة إلى الوطن.
مصطلحات مشتقة من بعضها أو متحدرة من رحم واحد أو متلازمة، وهي كلها من صناعة العصر الحديث، من صناعة الحضارة الرأسمالية. الذي لم يطلع على وقائع التاريخ، أو الذي يفسرها على هوى أفكاره العتيقة، من أين له أن يعرف معنى الوطن والدولة والسيادة؟
في الحروب الأهلية يلهون بالمصطلحات العلمية مثلما يلهو زعران الحي بالمسدس، وتخرج المفردات من أفواههم كأنها شتيمة.
تخيلوا كيف غدا نعت السيادي في لغة الميليشيات مذمة ومثاراً للسخرية. إنه الزمن الذي ” يأكل فيه الفاجر مال التاجر”.
شر البلية أن يتلفظ السياسي بعبارة لا يعرف معناها أو أن يعبر عن أفكار غير واضحة في ذهنه. يمكن أن يكون السيد x الذي نخاطبه رئيساً أو نائباً أو وزيراً أو رجل دين أو رجل أمن. السيد إيكس ليس إلا مواطناً، وعليه أن يعرف معنى السيادة لكي يعرف كيف يحميها.
مصطلحات الوطن والدولة والسيادة مجبولة بالالتباسات. لن نذهب حيث ذهب عبد الإله بلقزيز. الخلط المفاهيمي ناجم، في نظره، عن الفقر المعرفي وضحالة الثقافة، إذ من غير الممكن، برأيه، أن يفهم هذه المصطلحات من لم يقرأ ما كتبه عنها أفلاطون وأرسطو وإبن خلدون وماكيافيلي وسبينوزا وهوبس وجون لوك وبودان وروسو ومونتسكيو وكانط وهيغل وماركس وغرامشي وكاسيرر وكارل بوبر وإريك فيل وبولانتزاس وبورديو؟
وكيف يمكن أن نتحدث في الدولة والحرية والمواطنية إذا كنا نجهل فلسفة الأنوار وجون ستيوارت ميل وماكس فيبر وطوكفيل؟
الثقافة المعمقة مطلوبة من الباحث. أما السياسي فيكفيه أن يعرف عن هذه المصطلحات الثلاثة أنها تنتمي إلى سلالة واحدة وأخواتها الديموقراطية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان، وأن الأساس الذي شيدت عليه الدولة الحديثة ومشتقاتها هو القانون.
الذين أسموها دولة الحق ودولة القانون، لم يقصدوا لا حمورابي ولا القانون الروماني، بل قانون نابليون، القانون الوضعي الذي جعل المواطنين كلهم سواسية، لا فضل لأحد منهم على آخر إلا بالكفاءة، لا بالتزلف والاستزلام وبيع الكرامات الشخصية وكرامة الوطن، وهذه معايير ميليشيوية.
نعم سيادة القانون يا سيد x. سيادة الدولة ليست سوى سيادة القانون، على الرئيس والمرؤوس، على النائب والناخب، على رجل الدولة ورجل الدين، على الوزير والمستوزر، على المواطن والزائر، على الضيف والمضيف.
الدولة لا تمارس سيادتها على حدود الوطن فتحميه من كل عدوان خارجي إلا حين تفرض سيادتها داخل الحدود بقوة القانون، فلا يعتدي أحد على أحد ولا يفلت من العقاب أحد.
انتهاك القانون والدستور هو انتهاك للسيادة الوطنية. هذا ليس فقراً معرفياً فحسب، هو أيضاً نزوع ميليشيوي إلى تدمير الدولة.
في الدولة ذات السيادة، لا شيء سيادي، لا موقف ولا تصريح، ولا قرار سيادياً إلا تحت سقف القانون.
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله