12 آذار 2021
في دولة القانون والمؤسسات لا يقتني المسؤول مستشارين، بل يختار، أو هكذا ينبغي أن يكون، من بين موظفي المؤسسة من يستشيره، كل في مجال اختصاصه، وإذا كانت دائرة الاختصاص شاغرة يتم اختيار من يشغلها بموجب القانون، وإن كانت غير موجودة يتم إنشاؤها تبعاً لأصول إنشاء الوظائف في الإدارات.
في دولة القانون كل العاملين في الدائرة موظفون، من الرئيس حتى حرّاس المبنى، مروراً بكل المختصين بالشؤون القانونية والمالية والإدارية. في الوظائف السياسية تضاف دائرة للتشريفات وثانية للإعلام وثالثة ورابعة بحسب الحاجات والمهمات. في كل قصر من قصورنا الرئاسية مدير عام يفترض أن يكون هو المسؤول عن موظفي القصر، وعن كل من وما يدخل إلى القصر أو يخرج منه. إلا في لبنان.
الرئاسات في لبنان ليست مؤسسات. والأماكن التي تعمل فيها ليست مقرات، بل قصور. ولا يليق بالقصر إلا أن يكون ساكنه من سلالة الملوك لا من فئة الرؤساء، ويتحول الموظفون إلى مستشارين والمواطنون إلى رعايا.
ما هو عمل المستشار الإعلامي مثلاً بوجود مسؤول الإعلام في القصر؟ إنه مهين له وللرئاسة أن يتلو أسئلتها فيما المطلوب منه أن يتلو قراراتها. كان عليه أن ينتبه إلى أن السؤال عن سعر الصرف يجد جوابه في مكاتب الدراسات ولدى الخبراء وفي تقارير المؤسسات المالية الدولية والمحلية. وكي لا تكون استشاراته خادعة، كان عليه أن يقرأ في كتاب ثورة “17 تشرين” أن اللبناني نزل إلى الشارع لأنه استشعر ما سيحل بالليرة والأجور والأسعار. والمستشار أولى من المواطنين باستشعار الخطر الذي، إذا استحكم، سيطيح بنظام المستشارية كله وبالدولة والوطن لا بسعر العملة وحده.
كان على المستشار أن ينصح بطرح أسئلة من نوع آخر. لم يعد لينين بعبعاً. هو صاحب الملكية الفكرية لسؤال ما العمل؟ هذا سؤال به يبدأ كل بحث عن حل. الكرة الأرضية كلها، المؤسسات المالية الدولية، رؤساء وملوك ووزراء خارجية كلهم، باستثناء المستشارين، قدموا إجابة واحدة على السؤال. الحل يبدأ بتشكيل حكومة. والمستشارون صموا آذانهم عن الجواب؟
تخيل نفسك أيها المستشار طبيباً في طوارئ المستشفى وأمامك مصاب بحادث سير، ينزف من يده المكسورة ومن فمه. إن بدأت بعلاج الكسر فأنت طبيب فاشل، كالمستشار القانوني الفاشل الذي يجتهد في تفسير الدستور لا في تطبيقه، أي الذي كان عليه أن ينصح الرئيس بتوقيع مرسوم التشكيلات القضائية، التزاماً بأحكام الدستور، لا أن يخفيها في الأدراج.
لا عجب. هذه معايير الانتقال من نظام جمهوري إلى نظام ملكي، أو حتى لا نبالغ، من الفصل بين السلطات إلى الخلط بينها بآلة عجيبة من جهل القوانين، من عالم الجمهوريات الديموقراطية البرلمانية إلى عالم الجمهوريات الوراثية. لا عجب ولا غرابة، هذا ما يفعله تلميذ نجيب تدرب في مدرسة الوصاية التي لم تدرك معنى علاقة لبنان واللبنانيين بالحرية.
الحرية أيها المستشار أقوى من كل أحزاب الاستبداد العريقة صاحبة الخبرة بإلغاء الدساتير تحت مسميات شتى كحالات الطوارئ والأحكام العرفية أو المستحدثة التي نجحت في الدخول إلى عالم السياسة بعلامات استلحاق وبالعزف على وتر الطائفية الكريه.
قوة النظام أيها المستشار لا تقاس بمدى الدفاع عن حقوق طائفة ولا عن حقوق كل الطوائف، بل بمدى الدفاع عن حقوق المواطن اللبناني بمعزل عن لونه أو شكله أو انتمائه الديني أو الطائفي أو الفكري أو السياسي، وبمدى الدفاع عن سيادة الدولة والتزام أهل النظام بأحكام الدستور.
أيها المستشار، هل أنت مغلوب على أمرك، هل إن ما يحصل يحصل خلافاً لرأيك؟ لو كنت مستشاراً لقدمت استقالتي.
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله