21 نوفمبر، 2024

دروس انتخابية من تجربتي مع الحزب الشيوعي (2/4)بداية الافتراق عن نهج القيادة

9 تشرين الأول 2021

https://www.nidaalwatan.com/article/59246

في أول دورة انتخابية بعد الطائف، اقترعت حسب نص “التخريجة”، (تخريجة جورج حاوي بالاقتراع لخمسة مرشحين شيوعيين – المقالة السابقة) مع أنني كنت معترضاً على دخول اللائحة من الباب أو التلصص عليها من الشباك. في اجتماع موسع للشيوعيين في مقر الحزب في صيدا، عبّرت عن رأيي ونال تأييد معظم الحاضرين، ما استدعى عدم دعوتي إلى الاجتماع التالي.

التعارض في الموقف من الانتخابات أخذ يكبر بعد إعلان النتائج وفوز اللائحة الرسمية بكامل أعضائها، إذ بات حبيب صادق، في نظر المتوسلين-المتسولين متهماً بحرمان الحزب من أن يتمثل بقيادي حزبي، وتحول إلى خصم غير معلن بعد أن كان قد كرس نفسه بنضاله وبمساعدة الحزب واحداً من أبرز الرموز اليسارية ليس في الجنوب بل في لبنان.

لا أبوح بسر إن قلت إن حبيب صادق كان بمنزلة أو بمثابة عضو غير معلن في قيادة الحزب التي كانت تضع تحت تصرفه 15% من عدد المنح الدراسية المقدمة للحزب من بلدان المعسكر الاشتراكي وكوبا، وهو ما لم يكن يحظى به بعض أعضاء في المكتب السياسي، وأشهد أن حبيب صادق كان يحضر اجتماعات قطاع المثقفين في الحزب، وكان مفوضاً من قبل قيادة الحزب، ولفترة طويلة، بتمثيل اليسار الشيوعي في اتحاد الكتاب اللبنانيين، وكان على صلة مباشرة وتنسيق يومي مع القيادة “التاريخية” عن طريق كريم مروة المسؤول في المكتب السياسي عن الشأن المتعلق بالثقافة والمثقفين.

بعد وصوله إلى الندوة النيابية، اتصل حبيب صادق طالباً مني مشاركته في عمل المجلس الثقافي، ليوفر مزيداً من الوقت لنشاطه البرلماني. لبيت طلبه من غير تردد، ومن غير التخلي عن موقفي بشأن الانتخابات، وصرت نائباً للأمين العام للمجلس الثقافي، وهي “رتبة” اعتدت على حيازتها من غير أن أتقنها منذ أن كنت مساعداً لمسؤول الحزب في الجنوب. السبب ببساطة، بحسب تعبير جورج حاوي، أن الأمين العام هو الذي يسمي أعضاء المكتب السياسي، والمكتب السياسي هو الذي يختار اللجنة المركزية. هو قال ذلك قاصداً الحزب لكن ذلك ينطبق على كل المشتقات الحزبية التي يباح فيها النقاش ويبقى القرار بيد الأمين العام.

لست أعلم لماذا وقع اختيار حبيب صادق عليّ دون سواي من بين العشرات الذين تعاونوا معه في نشاطه الثقافي، وجعلني على مقربة منه، لكن ضمن “مسافة آمنة” لا تتخطى حدود المساعدة التي يطلبها. بات علينا إذن نحن في الهيئة الإدارية للمجلس الثقافي أن نكون كلنا مساعدين للأمين العام، مع صلاحيات شكلية خصصني بها حبيب صادق منها أنني كنت أرافقه كظله حتى في نشاطه السياسي، إلى أن أعلن خروجه من تكتل التنمية والتحرير، وقرر أن يمارس نشاطه السياسي كشخصية يسارية مستقلة. قرار وضع الإصبع على جرحي.

ما كنت أرغب بتحقيقه في دورة 1992 الانتخابية، أقدم عليه حبيب صادق في الدورة التالية. لذلك تضاعف نشاطي في المجلس الثقافي وساهمت مساهمة فعالة في تأسيس الحركة الشعبية الديموقراطية وفي التحضير لعقد مؤتمرها الأول بعيد دورة 1996، في مدينة صيدا، حيث انتخب المؤتمرون حبيب صادق رئيساً لها، ثم وقع اختيار الرئيس على الدكتور فؤاد شاهين من الحزب الاشتراكي ليكون نائباً للرئيس وعليّ أنا لأكون أمين السر العام، أي كاتب محضر الجلسات مع تكريم لفظي بإضافة “العام” على أمين السر، تقرباً من رتبة الأمين العام من غير الدخول في ملكوتها.

لم تعمر الحركة الشعبية طويلاً إذ قرر الرئيس حلها من غير إعلان، قرر وحده بدون استشارة من ساعدوه في تأسيسها ودفعوا ثمن انحيازهم إليه. قراره الأول عزز علاقتي به وضاعف نشاطي ورسّخ انخراطي بمشروعه السياسي لتجميع قوى اليسار إلى جانب الحزب الشيوعي لا بديلاً منه، فيما كان لقراره الثاني أثر سلبي على نشاطي، واحتفظت بكل الود والاحترام لهذه القامة اليسارية واستمرت عضويتي في الهيئة الإدارية للمجلس الثقافي من غير انقطاع بضع عشرة مرة.

دورة 1996 الانتخابية حققت رغبتي بتشكيل لائحة مستقلة برئاسة حبيب صادق في مواجهة المحدلة، لكنها فاقمت أزمة علاقتي بالحزب، لأنني كنت أعمل إلى جانب حبيب صادق ومساعداً له لا إلى جانب مرشح الحزب، فضلاً عن ذلك، فقد أضيف التباين في الرأي بشأن السياسة الانتخابية إلى التباين في المشروع الإنقاذي، إذ لم يمض وقت طويل على عرض مشروعي لإنقاذ الوطن والدولة والحزب داخل المجلس الوطني، المشروع الذي يتمحور حول شعار “الدولة هي الحل”، وهو ما اعتبره النافذون في القيادة استخفافاً بقراراتها وتوجهاتها وتحدياً لوثائق المؤتمر، فكانت بداية التهم التي رشقوني بها، أنني نقلت البندقية وصرت من المبشرين بمشروع الحريري، فقط لأنني رفعت شعار الحل بالدولة، وكأنهم يعنون بذلك أن مشروع الدولة هو من اختصاص الحريري فيما هم مختصون بالثورة فحسب.

دورة 2000 شكلت خطوة أخرى إلى الوراء من حيث النتائج، وتضاعف التوتر بين قيادة الحزب وحبيب صادق، وكانت حصتي من هذا التوتر كبيرة. فقد تراجع منسوب الديموقراطية في علاقة حبيب صادق بمساعديه، لكنه كاد يلامس الصفر في علاقة قيادة الحزب بالرأي المختلف. في دورة 2005 لم يعلن حبيب صادق ترشيحه إثر إعلان الاتفاق الرباعي، فيما قرر الحزب التنسيق مع كامل الأسعد بعد أن أقفلت أمامه أبواب لائحة المحدلة. ناقشنا في أوساط المجلس الثقافي احتمال تشكيل لائحة يباركها حبيب صادق وكان يمكن أن نعلن عنها لولا تردد الأسماء المقترحة لأسباب مختلفة، وكنت بين المترددين.

بعد أن جهزت المستندات اللازمة لتقديم طلب الترشح عند الكاتب بالعدل الصديق حسين حرب، طلبت منه تجهيز طلب لسحب الترشيح ضمن المدة القانونية، أخبرني بأن القوانين المرعية لا تجيز لي أن أسترجع غير نصف الرسوم التي سأدفعها عند تقديم الطلب، حتى لو تم سحب الترشيح ضمن المهلة القانونية. في اجتماع المرشحين المقترحين، حاول الرفيق هاني عساف تأمين المبلغ تبرعاً من أحد الأصدقاء، وحين فشلت مساعيه قررنا طي صفحة المشاركة في تلك الدورة الانتخابية.

هذا في كواليس المجلس الثقافي. أما في كواليس الوتوات، مقر قيادة الحزب، وكنت حتى ذلك الوقت لا أزال عضواً في المجلس الوطني، فقد دعا مرشح الحزب الدائم إلى التصويت لصالح لائحة الثنائي الشيعي حتى لو لم يكن للحزب مرشح في عدادها، مبرراً دعوته، مع أنها تحتمل تأويلات شتى، بكون الثنائي الشيعي هو رأس الحربة في الصراع مع الأمبريالية والصهيونية. ذكّرت صاحب الدعوة والمجلس الوطني بأنه لا الإمبريالية ولا الصهيونية هما من قتلا مهدي عامل، وبأنه آن لنا أن نخرج من عباءة البرامج السوفياتية. وعليه فأنا سأعلن ترشحي ضد اللائحة ولن أطالب الحزب بالتصويت لي، وغداً ستخبرنا الأرقام بالحقيقة، مع أننا نعرف النتائج سلفاً، وسنعرف على أي بر سياسي سترسو مراكبنا.

أخذت القيادة تهديدي على محمل الجد وأعلنت النفير العام ودعت الشيوعيين في منطقة النبطية إلى عقد جمعية عامة في قاعة لافيتا واستصدرت قراراً بمنعي من الترشح، مع أن إعلان ترشحي كان على سبيل المناكفة مع القيادة فحسب.