22 نوفمبر، 2024

للحرية حدود حتى في “الحرّة”

19 شباط 2022

https://www.nidaalwatan.com/article/68392

ظننت أنّني سأكون حرّاً على محطة «الحرّة». لم يخب ظنّي. قلت ما أريد عند تسجيل البرنامج. غير أن مقص الرقابة، وهو في الحرّة غيره في سواها، اقتطع من الكلام ما يناسب الوقت المخصص للبرنامج. معايير «الرقيب» في اختيار المهم أخفت من كلامي ما حسبته بمعاييري أنه هو الأهم. عند المشاهدة تفاجأت بحوار غير مكتمل.

البرنامج مخصص للحديث عن ذكرى اغتيال الحريري، فأي قراءة نختار؟ لا شك أن الكلام المستعاد عن الجريمة بات أمراً مملاً، بل عديم الجدوى، إذ ليس أسهل من أن تكون ممانعاً فتشتم وتهدد وتتوعد أو أن تكون سيادياً فترفع شعار تحريرالوطن من الاحتلالات. غير أن معايير البحث عن الحقيقة لا تأتلف مع سجالات المحازبين.

من قتل رفيق الحريري وماذا بعد اعتكاف سعد الحريري، ولبنان إلى أين؟ تلك هي الأسئلة. ذهبت بعيداً في الإجابة. الاغتيال لم يكن لشخص بل لمشروع عنوانه الاستثمار الناجح في العلم وفي المال لإخراج البلد من الحرب الأهلية وإدخاله في عالم الرأسمالية بكل المعاني والقيم السائدة في بلاد الاقتصاد الحر والدول الديمقراطية. معارضو هذا المشروع هم من قتلوه. القوى القومية واليسارية وتيارات الإسلام السياسي وبعض القوى السيادية.

قد يقال إن في هذا التعميم تضييعاً للحقيقة الجنائية. هذا صحيح، لكنه بحث عن حقيقة سياسية لا يهتم بها القضاء ولا المحكمة الدولية ولا تكترث لها المماحكات السياسية الممجوجة. هذا ما أكده وجسّده الاتفاق الرباعي بعد الاغتيال مباشرة، وتوزيع الحلوى ابتهاجاً بعمليات القتل، واحتلال وسط المدينة وإقفاله لسنوات طويلة والتصويب الدائم على مشروع سوليدير. وهو تكشف بوضوح خلال المواجهات مع الثورة اللبنانية بعد 17 تشرين الأول 2019، ثم في التدمير الممنهج لبنية الدولة والوطن على يد منظومة الفساد والنهب.

في حوار مع رفيق الحريري عام 1998 في منزل الفضل شلق قال لنا، ما تطلبونه مني من أجل بناء الدولة ليس مسموحاً لنا أن ننفذه. هي إشارة إلى نظام الوصاية من غير شك، لكن اللبيب يعرف أن اللبنانيين لم يقصروا في تدمير الدولة، بمن في ذلك المتاجرون بالشعار، بل والذين يرفعونه بإخلاص ويعملون نقيضاً لمضمونه، أقصد بذلك الرأسمالية اللبنانية التي تخلت، منذ الاستقلال حتى اليوم، عن مهمتها في تولي السلطة السياسية، وأوكلتها لبقايا الاقطاع السياسي في المرحلة الأولى وللميليشيات المسلحة في مرحلة لاحقة، ثم لميليشيات غير مسلحة في مرحلة الانهيار الحالي.

قد يكون القاتل فرداً أو مجموعة أو جهة أو دولة، لكن أعداء مشروع الحريري جبهة ممتدة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. هم ليسوا فحسب زعماء المربعات الأمنية أو المربعات الطائفية أو المربعات القضائية والإدارية، بل كل من ضرب مسماراً في نعش الدولة من أول انتهاك داخلي لسيادتها باستدراج الخارج أو استدعائه إلى آخر ما تفتقت عنه عبقريات المنظومة الحاكمة، من انتهاك للدستور والقوانين وتدمير المؤسسات ونهب المال العام والتفريط بالثروة الوطنية وإفقار الشعب اللبناني وتشريده في أربع أرجاء الكون.

حلفاء رفيق الحريري وأعداؤه عابوا عليه أنه «أوقف العد» فتضامنوا ضده لمنعه من التمدد داخل حصونهم الطائفية ولمحاصرته في طائفته تمهيداً لاتهام الطائفة كلها بالإرهاب والتطرف، لكن طائفته خذلتهم، فلم يسعَ أحد من زعمائها، من رياض الصلح حتى رفيق الحريري، لبناء مشروع السنية السياسية على غرار ما فعلته المارونية السياسية والشيعية السياسية اللتين كانتا تجسيداً للتطرف بعينه.

«الحرة» حرة في اختيار معاييرها لتقتطع من الكلام ما تشاء ولتعيد مونتاج الحوار كما تشاء، ولنا حرية الاعتراض والتصويب، والحكم للمشاهدين وللقراء.