23 تموز 2022
نواب الثورة: احذروا مناوراتهم التافهة – محمد علي مقلد | نداء الوطن (nidaalwatan.com)
المناورة بحسب قواميس اللغة «خُطَّة قَائِمَة عَلَى الخِدَاعِ والْمُرَاوَغَةِ والحيلة»؛ والمراوغة في أحد معانيها هي الخداع. ونقيضها الشفافية والصدق والوضوح. ربما فات القواميس إضافة الكذب إلى هذه المفردات الثلاث. فهل يعصى على المتابع بعد هذا التعريف اللغوي تصنيف التحالف الحاكم في لبنان الذي هو سبب الأزمة ومديرها؟ هذه المفردات أدوات في الصراعات والحروب، لكنها حين تعبر عن علاقة الحاكم بشعبه يغدو الخداع والمراوغة والحيلة من أخلاق السياسيين المنافية للأخلاق.
حين تفتقد المناورة إلى منسوب الذكاء المطلوب تتحول إلى لعبة مكشوفة وتافهة. وما أكثر هذا النوع من المناورات في السياسة اللبنانية. أبرزها ثلاثة ومعظمها من نتاج أهل الممانعة: التصويب على القطاع المالي والمصرفي، العلمانية حين ترفع شعارها قوى طائفية، الدولة حين يتردد هذا المصطلح على ألسنة الميليشيات.
أول الثلاثة هو الأكثر التباساً لأن الأزمة المالية النقدية الاقتصادية التي تصيب الناس في حياتهم اليومية لا تترك لهم مجالاً للبحث عن الأسباب البعيدة فيستوقفهم الوجع الماثل أمامهم في المأكل والمشرب والطبابة والتعليم والنقل والاتصال والتواصل، ويكتفون بالصراخ في وجه من يمسك مفاتيح الخزائن المالية. إغارات القاضية غادة عون من هذا الصنف التافه من المناورات للتغطية على الأسباب السياسية للأزمة وعلى مسببيها.
قلنا منذ بداية الثورة إن الأعراض اقتصادية اجتماعية أما المرض فهو سياسي. كل من تولى السلطة من أعلى مراتبها إلى أدناها مسؤول، لكن البداية في السياسة، والمحاكمة السياسية وحدها من حق الشعب أما المحاكمة القضائية فهي من مهمات القضاء. كل تصويب في غير هذا الاتجاه يؤدي، من ناحية، إلى تمويه الحقيقة وتجهيل الفاعل، ومن ناحية ثانية إلى تشويه آليات البحث عن المجرم، والمجرم هو من ينتهك سيادة الدولة والقانون والدستور.
كثيرة هي المناورات من هذا النوع وهي تصوب على الجانب المالي من الأزمة لكن همها محصور بالرئاسة لتأمين صك براءة لقديمها وإزالة العقبات من أمام جديدها. هل من عاقل أو جاهل أو ذكي أو غبي أو وطني أو عميل إلا ويعرف جانبها المخادع؟ إذن هي من النوع التافه.
ثاني الثلاثة مناورات العلمانية والدولة المدنية التي يجمع على رفع شعارها أطراف التحالف الحاكم الثلاثة. التيار الوطني الحر بطل تجميد المراسيم بدعوى إخلالها بالتوازن الطائفي، وحابس المراسيم في درج المستشار؛ والثنائي الشيعي بطل تعطيل عمل الحكومة بدعوى فقدانها الميثاقية، وتعطيل المؤسسة الدستورية بالقمصان السود أو بإقفال أبواب البرلمان من غير تبرير. وقد فات الثنائي أن أهم حكومة في تاريخ الجمهورية اللبنانية تشكلت في عهد فؤاد شهاب برئاسة رشيد كرامي وضمت أربعة وزراء، اثنين من السنة واثنين من الموارنة ولم يشكك أي فقيه في المجلس النيابي يومذاك، وكان يعج بالفقهاء، بميثاقيتها وشرعيتها ودستوريتها، ولم يشْكُ أحد من عدم تمثيل سائر الطوائف فيها. تلك الحكومة هي التي أسست دولة القانون والمؤسسات. هذا الصنف من العلمانيين على علاقة غير سوية بالمؤسسة الدينية. إما حرب على رجال الدين إما خضوع أو إخضاع، فيما العلمانية الحقيقة لا تقوم إلا على أساس الفصل، فصل سلطة المؤسسة الدينية عن سلطة الدولة لا فصل الدين عن الدولة، وهذا لا يتحقق، كما يحلو لهم، بإلغاء قوانين الأحوال الشخصية أو بتوحيدها، بل بإلغاء كل المؤسسات الموازية لسلطة الدولة، أي إلغاء المحاكم الدينية وضمها إلى المحاكم المدنية وإلغاء الجبايات المالية والإعفاءات الضريبية، على أن تبقي الدولة على قوانين الأحوال الشخصية المعمول بها وتضيف إليها قانوناً يخصها، هو قانون الدولة للأحوال الشخصية.
ثالث الثلاثة الدولة. من يقرأ أدبيات الثلاثي الحاكم وتصريحات ممثليه يتيقن من أن طرفين من الثلاثة لا يعرفان معنى الدولة، أما الثالث المتمرس في الحكم على رأس المؤسسة التشريعية منذ ثلاثين عاماً فهو يعرف المعنى ويحرفه. عدا عن انتهاك الدستور والقوانين، وهو مادة للتباهي على ألسنتهم، فالسلطة التشريعية جاهزة دوماً لتطويع الدستور لا لإدخال تعديلات ضرورية عليه.
على رأس التعديلات الواجبة، قانون الانتخاب الذي لا يفتح النقاش بشأنه إلا قبيل نهاية الولاية، حيث يتم بداعي العجلة اعتماد القانون الذي يؤمن التجديد للطقم الحاكم. الرئيس بري لا يطرح مشروعه لقانون على أساس النسبية والدائرة الواحدة وإلغاء القيد الطائفي إلا لأنه مطمئن إلى وجود اعتراضات جاهزة لإجهاضه، فضلاً عن أن المشروع يبقى نائماً طيلة الولاية ولا توقظه إلا الحاجة إلى مناورة يقول بعضهم إنها ذكية ويقول آخرون إنها مكشوفة، والله أعلم! المشروع الوحيد بعيداً عن المناورات هو تطبيق اتفاق الطائف وبعدها يبدأ البحث بتعديل ما ينبغي تعديله.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان