27 تشرين الثاني 2019
هو فالق لأنه يقع على خط الزلازل وهزات الحروب الأهلية.
من قضى في حادثة الجية كمن قضى في حادثة طريق المطار أو مثلث خلده. كلهم شهداء الثورة وعلى اللبنانيين أن يحيطوهم بكل التكريم الواجب تجاه الشهداء، بعيداً من مقارنات تنتهك حرمة الشهادة ويسعى إليها ويتوسلها الناشطون في تجارة الموت ويصدقها الجهلة المليئة قلوبهم بأحقاد طائفية أو مذهبية أو عنصرية. هنا، في موت الأفراد، لا تجوز المقارنة، لكنها واجبة حين يكون الوطن مهدداً بكيانه واقتصاده ودولته ومصيره.
المقارنة واجبة لنتعلم من الحرب الأهلية. الدرس الأول هو أن الحروب الأهلية تنتهي دائماً بغالب ومغلوب. المغلوب هو كل القوى المتقاتلة في الداخل، والغالب الوحيد فيها هو التدخل الخارجي، الإسرائيلي لوقف الحرب بين اللبنانيين على الفلسطينيين والقضية الفلسطينية، والسوري لوقف الحرب بين اللبنانيين على تعديلات في النظام السياسي. ومن الثابت في جميع الحروب الأهلية أن الخارج جاهز دوماً للتدخل من أجل مصالحه لا كرمى لعيون القوى المحلية. لم يبخل الأشقاء علينا بالتمويل والتسليح. المهم عندهم أن نتقاتل ونتفانى ليبتعد كأس التغيير عنهم، ثم راحوا يتفرجون علينا في الاجتياح الاسرائيلي. هذا ما حصل في الحرب الأهلية السورية تمويلاً وتسليحاً وتدخلاً خارجياً. الدرس الأول إذاً هو ألا تتكرر تلك التجربة.
الدرس الثاني هو أن التنوع شرط من شروط بناء الأوطان الحديثة. والتنوع قد يكون دينياً وإتنياً ولغوياً وثقافياً وسياسياً، وقوة الأوطان والدول رهن بقدرتها على تنظيم الاختلاف لا على تفجيره، وهو ما لا يحصل إلا في ظل دولة ديموقراطية تطلق عليها مسميات شتى، كالمدنية أو العلمانية، على أن أفضل التسميات هي دولة القانون والمؤسسات. هذه الدولة هي دولة السلم الأهلي وبديلها ونقيضها هو دولة يسود فيها الاستبداد وتنتهك القوانين وتحكمها شريعة الغاب وتدار دفة الحكم فيها بعقلية الميليشيات السياسية أو المسلحة.
قطع الطرقات، بصرف النظر عن صحته أو عدمها، هو من أشكال التعبير عن احتجاجات شعبية على نظام الحكم أو على سلوك أهل الحكم، وأمر معالجته منوط بسلطة الدولة ومؤسساتها السياسية والعسكرية، وكل تدخل من خارج تلك المؤسسات هو بالدرجة الأولى، عدوان، لا على المحتجين، بل على الدولة. وإن اقتصرت أضراره على الماديات فمخاطره على السلم الأهلي كبيرة. وهذا هو بالضبط ما ترتكبه الثنائية الشيعية حين تتنطح لمعالجة أمر ليس من صلاحياتها.
ربما تفعل ذلك لأنها تستشعر حجم المسؤولية التي تتحملها في إيصال البلاد إلى ما وصلت إليه ومقدار الثمن الذي ستدفعه بعد نجاح الثورة. إنها تدعو المحازبين والمؤيدين والأتباع، ظاهرياً، إلى إدانة قطع الطرقات، وسرعان ما تتحول الدعوة، بقوة الشحن المذهبي، إلى الموافقة على الأسلوب الميليشيوي بشن الغارات على ساحات الاحتجاج، فيترجمون هذه الموافقة بمناصرة دولة الميليشيا ضد دولة القانون لأن دولة القانون هي مطلب الثورة.
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله