30 تشرين الثاني 2022
نحن في دوامة أو في حلقة مفرغة، وهذه ليست المرة الأولى. ما هو الحل؟
يبدأ الحل بعدم تكرار السيناريوات السابقة لأنها ستنتهي بالنتائج ذاتها. «حزب الله» وخصومه يعرفون ذلك ويفرضون على اللبنانيين أن يتوقعوا نتائج مختلفة. اينشتاين يسمي ذلك غباء، لكن أبطال الصراع على الجانبين يحوّلونه استغباء، إذ يقدم كل منهم إلى جمهوره من الحجج ما يكفي لشحذ الغرائز في النفوس وترسيخ وعي مغلوط في العقول.
لا علاج صحيحاً من غير تشخيص صحيح. في نظر الطرفين أسباب الأزمة تكمن في السلاح، وهو من أعراضها، أو في «حزب الله»، وهو آخر العدّائين في سباق البدل على كأس تدمير الدولة.
المشكلة ليست في وجود السلاح، بل في انهيار الدولة. سبق للبنانيين أن عانوا من سلاحيْن «غير شرعيين» أقوى بكثير من سلاح «حزب الله»، الاحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية ونجحت مقاومة الشعب اللبناني بالتخلّص منهما، ومع ذلك لم تنتهِ الأزمة لأنّ جذرها يمتد عميقاً في الانقسام حول فكرة الدولة ودورها وتكوينها.
تشخيص الأزمة بالسلاح بدأ بالمقاومة الفلسطينية ولأنّه تشخيص خاطئ كانت «الوصفة» حرباً أهلية ثم استدراجاً للجيش السوري ثم للجيش الإسرائيلي، فيما المرض كامن في تواطؤ مضمر بين «يمين» في السلطة بارك اتفاق القاهرة و»يسار» في المعارضة هلل له. السلطة وقّعت الاتفاق، رحم الله ريمون إده الذي غرّد منفرداً، واليسار كان يتظاهر ضد الجيش اللبناني ودعماً للسلاح الفلسطيني وكانت تطربه ضغوط النظام السوري على لبنان وإقفاله الحدود على معبر المصنع.
اتفاق «الطائف» أوقف الحرب الأهلية لكنه لم يعالج جذور الأزمة، لأنّه أوكل إعادة بناء الدولة إلى نهج ميليشيوي همه تدمير الدولة. تهرباً من هذه الجريمة حمّل اللبنانيون المسؤولية للقوى الخارجية الفلسطينية والسورية والإسرائيلية وصولاً إلى الإيرانية، لكنّها ما كانت لتتدخل أو ليكون لها موطئ قدم لو لم تجد نقاط ارتكاز هي التي استدرجت الخارج واستقوت به وتوهمت القدرة على توظيفه ضد خصومها. «حزب الله» هو الوحيد الذي لم يقع ضحية هذا الوهم، إذ اعترف صراحة بأنّه يعمل لصالح برنامج خارجي. هنا بالضبط، وليس بسلاحه، تكمن نقطة ضعفه.
مستحيل ولوج الحلّ إذا اكتفى الجميع بخروج لفظي من الحرب ولم يدخلوا بشجاعة في ورشة نقد جريء لمشاركتهم فيها. استقواء «حزب الله» بسلاحه، كما المطالبة بنزعه، كلاهما نفخٌ في نارها. فالفريقان يعلمان علم اليقين أنّ أياً منهما لم يعد يملك القدرة على إشعالها. إذاً لماذا يستخدمان هذا الموضوع مادة للصراع ما دامت الحاجة إلى هذا السلاح قد انتفت بعد التوقيع على اتفاق 1701 وعلى اتفاق الترسيم البحري مع إسرائيل، وما دام نزعه بالقوة مستحيلاً؟ كلا الطرفين يستخدمه لشد عصب جمهوره ولإطالة عمر الانقسام العمودي بين «فسطاطين» و»حضارتين» أيّ للحفاظ على متاريس حرب أهلية من غير سلاح وعلى توازن داخلي كان يفضي دوماً إلى تواطؤ مفروض بغير إجماع، من خلال حكومات الوحدة الوطنية، على تأبيد نظام الفساد والاستبداد. «حزب الله» نجح في استدراج خصومه وحصر «ربط النزاع» بموضوع سلاح المقاومة ورمى المطالبين بنزعه بالعمالة، ولن ينجح خصومه إلّا إذا استدرجوه إلى قضية الدولة وجعلها المعيار الوحيد للوطنية.
إذا لم يكن سلاحه مطروحاً على طاولة البحث، فماذا سيكون جواب «حزب الله» ومعه الثنائي الشيعي و»التيار العوني» حين يسألون عن تعطيل الانتخابات الرئاسية؟ ألا يمكن مثلاً لنواب المعارضة، التي شارك معظم أطرافها في ثورة الشارع، أن ينقلوا الاعتصام إلى قاعة البرلمان والخيم إلى ساحة النجمة وألا يغادروا قبل انتخاب الرئيس؟
وللحديث صلة.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان