29 آذار 2023
حتى لا يذهبوا في التأويل بعيداً، الميليشيوي هو من يتولى إدارة الأمور العامة بغير منطق الدولة. نترك جانباً مثالب التشبيح والسطو المسلح على الأملاك العامة والخاصة والاعتداء على الحريات زمن الحروب، ونتوقف عند النهج الذي يعتمده العقل الميليشيوي زمن السلم بعيداً عن منطق الدولة، لعبة التوقيت نموذجاً.
قرار صبياني ينطبق عليه مثل من «رمى درهماً في بئر» ثم راح يلوم الناس على عجزهم عن انتشاله. هو درهم ولا يستحق، في نظرهما، كل هذه الضجة بأبعادها الطائفية. غير أنّ خطأ يرتكبه الفرد ليس كخطيئة يرتكبها مسؤول. الأول يحاسب عليه القانون والثانية جريمة بحق الدولة.
لم نتوهم من اجتماع الرئيسين حلولاً لإنقاذ البلد ولمعالجة الأزمة المالية والنقدية والمصرفية والاقتصادية وظاهرات الجوع والانتحار والموت على أبواب المستشفيات، لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه. هما في الحكم منذ البداية وأدارا انفجار الشارع في 17 تشرين وانفجار المرفأ في 4 آب بآذان صماء.
اجتماعهما استعادة لتجربة الترويكا المتحورة إلى دويكا في غياب رئيس الجمهورية وفي غياب قائد الإوركسترا السوري، فبأي آلاء ربكما تدّعيان الحرص على مصلحة الوطن. الترويكا أول مسمار في نعش الدولة غرزه نظام الوصاية لتفكيك المؤسسات وإلغائها.
ما هو المبرر الدستوري لاجتماع الرئيسين؟ هما مطالبان بالتنسيق والتعاون. هذا صحيح. غير أنّ مسألة التوقيت الصيفي والشتوي ليست من اختصاص الترويكا بغياب ركن منها أو بنصابها الكامل، بل هي من اختصاص مجلس الوزراء، وللرئيس بري من يمثله داخل الحكومة. فهل هكذا يكون التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؟
كان يمكن وضع الحوار حول الموضوع الرئاسي نقطة أساسية على جدول عملهما، غير أنه، في نظرهما على ما يبدو، أمر ثانوي، أو أنهما مستسلمان إلى عجزهما وينتظران الترياق من العراق. وإذا لم تكن الأزمة ولا الرئاسة مادة الحوار بينهما، فالاجتماع لا يعدو كونه ديوانية كالتي يقيمها شيوخ الربعة ويتبادلون فيها الحديث من أطرافه لا من صلبه أو متنه أو جوهره. ولا نظن الديوانيات مما ينص عليه الدستور كما لا نظن أن فرنجية الجد كرّس دق المحبوسة جزءاً من تقاليد القصور الرئاسية.
ألم يكلف أحدهما عناء السؤال عمن كان وراء تسريب الخبر وتعميمه على وسائل التواصل؟ أو السؤال عما إذا كانت الأسباب الموجبة لاعتماد التوقيت الصيفي في السبت الأخير من شهر آذار ما تزال موجودة، أو السؤال عن الظروف المستجدة هذا العام؟
غير أن الرئيسين تحولا بشطحة مزاج إلى عالمين فلكيين ومهندسي اتصالات وخبيري مناخ واستغنيا عن مختصين في هذه المجالات وغيرها مما انتهت إليه مراكز الأبحاث والعلوم الاجتماعية حين توصلت منذ عشرات السنين إلى حسنات اعتماد التوقيت الصيفي في فصلين ونصف من فصول السنة.
أزعجتهما ردود فعل طائفية، وهي مزعجة من غير شك. لكن أما كان أحرى بهما أن يتنبها إلى الانعكاسات السلبية على قرارهما، ولا سيما الطائفية منها؟ ألا يفقد الشرعية، باللغة الطائفية التي يتقنانها، كل قرار «يناقض ميثاق العيش المشترك»؟ هذا مع العلم أن الاعتراض على القرار لمخالفته الدستور ليس اعتراضاً طائفياً حتى لو صدر عن مرجع ديني.
الخشية كل الخشية أن يكون الهدف من القرار خلق فتنة طائفية تحرف الأنظار عن الاستحقاق الرئاسي وتطيل أمد التعطيل.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان