24 نوفمبر، 2024

نواب التغيير وناخبوهم

27 أيلول 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/208726

منذ اليوم الأول لانتخابهم بدأ نواب التغيير يتواجهون مع ثلاثة أنواع من الضغوط. مع تقاليد برلمانية مجافية للديمقراطية، ومع زملائهم في المعارضة البرلمانية، والثالث، وهو الأصعب، مع ناخبيهم من قوى الثورة.

حداثة تجربتهم النيابية أظهرتهم ضعفاء أمام تقاليد راسخة في برلمانات ما بعد الطائف أرساها نهج نظام الوصاية المخابراتي، نهج جعل نواب الأمة ممثلين لمن كان يضع أسماءهم في اللوائح المعلبة لا للناخبين. مع هذا النهج صار النائب ممثلاً لزعيمه أو لحزبه ومن مهماته كتابة تقرير لضباط الأجهزة.

في هذا المناخ دخل التغييريون ليشرّعوا داخل برلمان غير جاهز للتشريع وتقتصر مهمته على تنفيذ إملاءات المراجع العليا، فصدقوا تمثيلية تشكيل اللجان ثم وقعوا في فخاخها. إنجازهم الأهم تمثّل في تحريكهم مياه راكدة يلعب فيها الرئيس الدهري لعبة المصادقة ويصنع فيها خلطة عجيبة من المعارضة والموالاة تضيع معها حدود المحاسبة، خلطة قوامها تواطؤ أهل المحاصصة وتسترهم بالطائفية واستخدامهم إياها درعاً واقياً وجسر عبور إلى انتهاك الدستور ومخالفة القوانين. التغييريون فضحوا المستور فقالوا داخل البرلمان ما كانت تقوله الثورة في الساحات.

مناسبة الانتخابات الرئاسية كانت مناسبة لاختبار إمكاناتهم التغييرية، فخضعوا لامتحانيْن، مع قوى في البرلمان كانت قد شاركت في ثورة الساحات، ومع ناخبين ينتمي معظمهم إلى قوى منظمة في ثورة الساحات. لكل امتحان معاييره وقواه الفاحصة.

في الامتحان الأول لم يصمد التغييريون طويلاً دفاعاً عن استقلاليتهم وعن حريتهم وتنوعهم ضد أي انضباط حزبي وضد أي احتواء؛ لكن رفضهم الالتحاق بزملاء لهم في خندق المعارضة ذاته كان مكلفاً على الصعيد الإعلامي، فبدل أن يعملوا على تشكيل جبهة واحدة مع سواهم من أهل المعارضة في مواجهة المنظومة، وجدوا أنفسهم أمام ضغوط حاولت التضييق عليهم إلى حد الاستتباع، ما جعل من تنوعهم تخبطاً، ولا سيما حين توقفت مبادرتهم الرئاسية في منتصف الطريق.

الامتحان الثاني مع الناخبين. لا شك في أنّ الفضل في فوزهم يعود إلى اجتماع مروحة واسعة من قوى التغيير المتنوعة، من أهل اليمين ومن أهل اليسار ومن المتحدّرين من تجربة الرابع عشر من آذار ومن مستقلين ومن جيل جديد من الشباب ومن المغتربين على نحو خاص. أكثر الانتقادات حدّة أتتهم من مؤيدين ومحبين ومناضلين يساريين متحدرين من 14 آذار ما زالوا يعتمدون معايير حزبية متوارثة.

لا شك في أنّ لهؤلاء دوراً مهماً في إيصال النواب التغييريين إلى البرلمان. تكمن أهميته في الجهود المبذولة لتشكيل لوائح موحدة. تحقق الفوز لا بفضل عدد أصواتهم بل بفضل جهدهم التجميعي. لكن مبالغتهم في تقدير حجمهم وفي تحديد دورهم جعلهم يتصرفون وكأنهم وحدهم صانعو الفوز، فيما أثبتت الوقائع أنّ استجابة الحزب الشيوعي «الرسمي»، لأول مرة منذ الطائف، للانخراط في تحالف مع قوى المعارضة في بعض الدوائر، هو الذي حقق فوز نائبين في دائرة الجنوب الثالثة، فيما أفضى موقفه السلبي من تجميع القوى وسياسته التحالفية في دوائر أخرى إلى خسارته وخسارة مرشحي الثورة مواقع محتملة.

بدا الانتصار وكأنه طفح على جلد الثورة يشي بمرض داخلي خطير. بديلاً من البناء على ما تم إنجازه، تعزيزاً للتعاون بين قوى المعارضة ولتوسيع صفوف التحالف، شرع بعض أطرافه بالعمل على بعثرة ما جرى تجميعه، تحضيراً لهزيمة محتمة في الدورة اللاحقة.

شعور الأبوة حيال نواب الثورة خطر على الثورة ونوابها. هم، على حد قول جبران، ليسوا أبناء ناخبيهم بل أبناء الثورة.