11 تشرين الأول 2023
https://www.nidaalwatan.com/article/212897
الجواب صعب وسهل. يخون وطنه وعروبته وأمته ودينه وإنسانيته أي عربي لا يتضامن مع الشعب الفلسطيني ضد دولة اغتصبت أرضه وشرّدته ومارست عدوانيتها على دول وشعوب عربية أخرى. إسرائيل هي آخر نسخ العنصرية على الكرة الأرضية وأبشعها وأكثرها خطراً وإجراماً. وهي آخر نسخ الاستعمار. تأسست حين كان يشرف على نهايته مع الحرب العالمية الثانية.
يحق لشعب وزّعته الصهيونية على مخيمات اللجوء أن يفعل المستحيل، أن يبتكر ما توصّلت إليه وما لم تتوصل مخيلات الثورات في التاريخ. صيدا أحرقت نفسها في وجه أرتحششتا، الكاميكاز انتحاريون بطائراتهم، اللبنانيون بأجسادهم، الفيتناميون مرغوا أنف الاستعمارين الفرنسي والأميركي، الجزائريون قدموا مليون شهيد على مذبح الحرية، مقاومة الاحتلال أطلقها الشيوعيون في الاتحاد السوفياتي ثم في كل أوروبا ضد النازية. من البديهي أن ينحاز واحدنا إلى قضية شعب ضد دولة قراصنة.
الدول خارج العالم العربي لا تبحث إلا عن مصالحها. الأكثر سخاء في تضامنه يدعو إلى ضبط النفس وعدم التصعيد والبحث عن وقف شلالات الدم. والأكثر انحيازاً للجريمة يقدّم دعمه المادي والمعنوي لتمكين إسرائيل من استكمال وحشيتها. وبعض المتحمّسين لعروبتهم يقيمون احتفالات النصر ويقيمون حواجز الحلوى ويرفعون شارة النصر. أمّا تجار القضية فيعلنون وقوفهم إلى جانب غزة حتى آخر فلسطيني على أرض فلسطين أو في الشتات.
لغة الحسم في المعارك مع الصهيونية قديمة. من صواريخ القاهر والظافر والناصر حتى الأسلحة البالستية والتهديدات الإيرانية بالقضاء على إسرائيل في سبع دقائق وما بينهما صواريخ صدام حسين والكلام الشائع عن النصر الإلهي وعن معركة وجود لا معركة حدود.
حافظ الأسد وحده كان متحفظاً ومتواضعاً في طلباته. طالب بمساعدته على إقامة توازن استراتيجي مع العدو. مع أنه لم يسع إلى تحقيقه، فهو اشترط أن يحصل على تمويل كاف يمكّنه من تأبيد سلطته على سوريا ومن احتكار القرار العربي والإمساك بالورقتين الأردنية واللبنانية ومصادرة القرار الفلسطيني.
مع أنّ لغة الحسم هذه كانت تفضي دوماً إلى نقيضها، أي إلى هزائم تعلوها شارات النصر. فلا تزال البطولات الفردية والجماعية في مواجهة جيش الاحتلال محل اعتزاز الشعوب الحرة في العالم، لأنها النقطة المضيئة الوحيدة في ظلام الإدارات الفاشلة والقيادات القاصرة القصيرة النظر.
لو أنّ تلك المعارك حسمت لصالح هذه الإدارات لدخلت فلسطين المحررة نادي «الربيع العربي» مع كل شروط الحرب الأهلية الجاهزة بين غزة ورام الله، ونموذجها مخيم عين الحلوة، أو تحولت إلى نسخة منقحة من سوريا المدمّرة أو العراق المنهوب أو اليمن المقسم، أو إلى ما يشبه أفغانستان المنتصرة لا على جيوش الاحتلال فحسب بل على النساء الأفغانيات السجينات في المنازل، أو إلى صومال «الشباب» والأصوليات التي استولدت من رحم الجهل قراصنة في البحر وميليشيات في البر.
الثورات لا تبحث اليوم عن عدتها في رباط الخيل والطيور الأبابيل، ولا هي تنافسٌ بين الأكثر استبداداً والأكثر جهلاً، ولا هي سباقٌ على ممارسة القهر والعنف وعلى التسلح. إذا كان لها من مبرر فهو البحث عما هو أفضل لسعادة الإنسان، لأن «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، والأرض التي قصدها محمود درويش في عبارته هذه هي أرض فلسطين.
نخشى على فلسطين من لغة الحسم لأنّ عدّته العلم والحسابات الدقيقة لا العواطف والحماسة وتكبير الكلام. أمام الشعب الفلسطيني فرصة استثمار بطولاته في البحث عن تسوية مرحلية حتى لا يتحول وهم الحسم إلى مجزرة جديدة.
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله