21 نوفمبر، 2024

ضحايا أم تضحيات؟ المهم أن القيادة بخير

10 كانون الثاني 2024

https://www.nidaalwatan.com/article/241761

أحد عشر بنداً عن «مكاسب» الطوفان، تحولت إلى مواضيع سجالية في حسابات الربح والخسارة في معركة غزة وملحقاتها. غير أن جردة الحسابات تلك لا يضعها المنخرطون في الحرب وحدهم، بل تشارك في وضعها شعوب وحكومات ووسائل إعلام، بمظاهرات وبيانات وقرارات وبمقالات تحليلية ونقدية، فضلاً عن ردود الفعل في العواصم وعن أوجاع المجازر والإبادة في فلسطين.

هناك إجماع على أن طوفان الأقصى أعاد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، لكن المسؤولية عن وضعها طي النسيان أكثر من عقدين من الزمن يتقاذفها أهل القضية. إسرائيل ليست وحدها من أطاح باتفاق أوسلو، ساعدها في ذلك من رمى الموقعين عليه بتهمة الخيانة.

الأصولية اليهودية اغتالت إسحق رابين عقاباً له على سعيه لتوقيع اتفاقية سلام، لكن أصولية النظام السوري لم تكن بريئة هي الأخرى من تهمة الإطاحة بالتسوية. قبلها كانت إطاحةٌ بمشروع التقسيم ثم اعتراضٌ على اعتبار منظمة التحرير ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني، وأخيراً رفضٌ للتطبيع. أيحسب من بين المكاسب التراشق بالتخوين، وشق الصفوف، واستثناء حماس من التضامن العالمي بدل مكافأتها، والإجماع العربي والإسلامي على نصرة الشعب والقضية من دونها؟

إذا كان الطوفان قد شكّل «ضربة قاسية للتطبيع»؟ فإن إعادة التأكيد على حل الدولتين في القمة العربية الإسلامية في السعودية يمنحه الشرعية ويدين رافضيه من الجانبين؟ أليست الدعوة إلى وحدة الموقف الفلسطيني حول منظمة التحرير تنديداً بمن وقف ضد الوحدة وعمل على تدميرها؟ والرافضون سافرو الوجوه لم يتخفوا عند التصويت على قرارات المؤتمر.

الشيخ محمد مهدي شمس الدين دعا في كتابه عن التطبيع إلى «المصالحة مع الأنظمة كائناً من كانت»، لا تأييداً لسياساتها التطبيعية، بل لأنه ميز بين «ضرورات الأنظمة وخيارات الأمة» وأراد تجنيب بلدان الأمة العربية خطر انقسامات عصفت ببعضها من بينها فلسطين وأدت إلى حروب أهلية من المحيط إلى الخليج.

طوفان الأقصى أثبت أن الذهاب إلى «أقاصي العنف» (العبارة لسمير فرنجية)، ليس السبيل إلى الحل، وأن أسلوب ياسر عرفات في معارك»عض الأصابع» هو الأفضل، ولا سيما أن إسرائيل أقدر على الوصول إلى تلك الأقاصي، وأن النضال التدميري يدمر أصحابه أيضاً، وأن حرب إلغاء الآخر والقضاء عليه هي في متناول الأقوى. المعنى ذاته في الدعوة إلى إزالة حماس أو إلى إزالة إسرائيل من الوجود ولو بعد حين.

زوال دولة إسرائيل العنصرية أمر حتمي على المدى البعيد، لكن ليس بتدميرها أو بالقضاء عليها. الفارق بين الأسلوبين هو الفارق بين معنى المصطلح الماركسي»اضمحلال»الدولة، وتأويله المبتذل الثوروي «القضاء»عليها. إن نضال الشعب الفلسطيني سيؤدي في نهاية المطاف إلى اضمحلال المشروع الصهيوني عبر تحولات بطيئة ومتعاقبة تفضي إلى إقامة كيان سياسي يلفظ التطرف بجميع أشكاله ويحتضن التنوع والتعدد تحت خيمة الديمقراطية.

حسابات النصر والهزيمة في حروب الجيوش سهلة. أما في الحروب الأنصارية، يقول هنري كيسنغر، فإن العصابات تنتصر إذا لم تخسر، ويخسر الجيش التقليدي إذا لم ينتصر». هذه هي حال المواجهات في غزة. المضي إلى أبعد من هذا التوصيف الدقيق، كالقول بفشل سلاح الجو الإسرائيلي وسقوط التفوق الإستخباري وتهاوي الردع الأميركي فهو مما يذر رماد الأوهام في العيون والعقول، ويقنع المتحمسين بأن عدم استسلام القيادة واستمرارها بإصدار الأوامر هو وحده معيار النصر.

الشهداء ليسوا هم من يضع جردة الأرباح والخسائر. هم يرحلون مؤمنين بأن جزاءهم انتصار القضية أو جنة في الآخرة. فهل ستحتسب الإبادة والمجازر أثماناً لمكاسب مؤجلة إلى حين؟