23 نوفمبر، 2024

خيانة وطنية في الترسيم البحري.. هل سيكرّرونها في البرّي؟

20 كانون الثاني 2024

https://www.nidaalwatan.com/article/244879

المؤرخ عصام خليفة، الحقوقي كلود بويز، شربل سكاف الخبير بشؤون الطاقة، لوري هايتايان الخبيرة بشؤون البترول والغاز، قاسم غريب الأستاذ في الجامعة الأميركية في بيروت، لست أعلم إن كان أحدهم قد أطلق حكماً بالخيانة الوطنية على الترسيم البحري، لكن ميشال غزال أورد أسماءهم في كتابه الصادر بالفرنسية عن دار النهار، باعتبارهم من شخصيات المجتمع المدني الذين رأوا أن الخط 29 هو الحدود البحرية السيادية، وأنّ تخلي السلطة السياسية اللبنانية عنه هو تخلٍ عن السيادة الوطنية.

عنوان الكتاب، «الفرصة الضائعة»، مع عنوان فرعي عن «أسرار المفاوضات البحرية بين لبنان وإسرائيل». ومؤلفه خبير دولي في شؤون التفاوض وإدارة النزاعات ورئيس مؤسسة غزال للتربية والبحث والسلام في لبنان، ومستشار الوفد اللبناني تحضيراً لاستراتيجية المفاوضات ومسارها.

أهمية الكتاب لا تكمن في تقديم الأدلة المستندة إلى قانون البحار والقوانين الدولية والمعاهدات والمواثيق المعتمدة في الإمم المتحدة والتي يعود بعضها إلى عشرينات القرن الماضي أيام الانتداب الفرنسي، فالسادة المذكورة أسماؤهم لم يكونوا الوحيدين الذين دافعوا عن الحق اللبناني في مؤتمرات صحافية ومقابلات وطاولات مستديرة وحوارات متلفزة، بل شاركهم في هذه الحملة صحافيون، ذكر غزال من بينهم جان عزيز وداوود رمال وعبدالله قمح وسامي كليب، ونواب مثل بولا يعقوبيان وجورج عدوان وحسن مراد، فضلاً عن محمد عبيد المدير العام السابق لوزارة الإعلام.

تكمن أهمية الكتاب في الأسرار التي كشف عنها. قد يقول قائل إن الصحافة فضحتها حين تكهنت، والمحللين حين نسبوا الأخبار إلى مراجع ومصادر موثوقة، والمعارضة حين شككت، وهذا من طبيعتها، بكل ما تقوم به السلطة. غير أنّ الكتاب كشف ذلك بالوثائق والأرقام والتواريخ والأسماء.

لاحظ الأميركيون حاجة السلطة اللبنانية إلى جهدهم لإطلاق المفاوضات مع إسرائيل فأشاعت أخباراً عن عقوبات محتملة، فاستعجل الخائفون على «جلدهم» بإعطاء الضوء الأخضر.

كما لاحظوا أنّ كل سياسي يغني على ليلاه بعيداً عن أحكام الدستور فأطلقوا المفاوضات من بيت رئيس المجلس النيابي لا من مقر البرلمان ولا من أي من القصرين الحكومي والرئاسي.

تدخلت الولايات المتحدة أكثر من مرة كطرف في المفاوضات منحاز بشكل مكشوف لصالح إسرائيل، ومارست الضغوط أكثر من مرة، طالبة من الوفد اللبناني ضرورة التخلي عن الخط 29 والعودة إلى الخط 23 تحت طائلة الإعلان عن فشل المفاوضات، وهي تعلم حاجة لبنان للنفط بحثاً عن حل لأزمته الاقتصادية والمالية والنقدية.

أودعت الحكومة اللبنانية سجلات الأمم المتحدة قرارها رقم 6433 لإثبات الخط 23 حدوداً لبنانية بحرية مع فلسطين المحتلة، واحتفظت الحكومة بحق التعديل عند ظهور معطيات جديدة. النص المعدل الذي أودع بناء على طلب الوفد العسكري المفاوض المؤلف من العميد بسام ياسين رئيساً والكولونيل مازن بصبوص كخبير في علم الخرائط ووسام شباط خبير الغاز والبترول ونجيب مسيحي خبير القانون الدولي وقوانين البحار، ضاع في أدراج الأمم المتحدة، وحين عثر عليه تخلى عنه أهل السلطة اللبنانية.

لا القيادة السياسية اللبنانية كانت راضية عن صلابة موقف الوفد اللبناني المفاوض ولا الوسيط الأميركي. بناء على رغبتهما المشتركة سحبت الوكالة والملف منه، وبدأت مفاوضات في الكواليس تولاها الياس أبو صعب بلقاءات متكررة مع آموس هوكشتاين الذي التقى جبران باسيل سراً في ألمانيا، وعباس ابراهيم في الدوحة لجس نبض «حزب الله». وانتهت المفاوضات بالإذعان لشروط العدو.

هذا غيض من فيض ما في الكتاب من انتهاكات دستورية ترقى إلى مستوى الخيانة.