24 نوفمبر، 2024

هل يعيد حزب الله حساباته؟


الحوار المتمدن-العدد: 8056 – 2024 / 8 / 1 – 22:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=837782


بعد اغتيال فؤاد شكر في ضاحية بيروت واسماعيل هنية في طهران، بات حزب الله مدعواً إلى مراجعة ضرورية وملحة. نقول ذلك من موقعٍ محب ومقدر لتضحياته، لأننا خضنا مثله حلو النضال ومرّه، وحلمنا بالنصر وخسرنا مثله في سبيل القضية قادة كباراً أعزاء؛ ونقوله من موقع عدم الموافقة على خطه السياسي، لأنه يكرر، كما في سباق البدل، أخطاء ارتكبتها الأحزاب اليسارية والقومية التي سبقته في حمل لواء التحرر الوطني.
إننا نستبعد نظرية الخرق الأمني في تفسيرنا ما حصل ونذهب إلى تحليل اعتمدناه حين راجعنا تجربة اليسار اللبناني والعربي في ثلاثة كتب أصدرناها في السنوات العشر الأخيرة: “هل الربيع العربي ثورة؟”، “أحزاب الله”، “في نقد الحرب الأهلية”، أثبتنا فيها أن اليقينيات الماركسية كما اليقينيات الدينية لم تنجح في توجيه المناضلين، وأن منهج التحليل العلمي هو وحده المجدي والصالح في رسم خارطة الطريق.
يقول أمين معلوف في كتابه “غرق الحضارات” الصادر عام 2019، “نحن في عالم يواصل مسيرة التقدم في العلوم والابتكارات التكنولوجية، فيصغي إلى أحاديثنا ويحدد موقعنا ويصور، بفضل هواتفنا المحمولة وكاميرات المراقبة والطائرات المسيرة من بعد. وعلى هذا النحو، سيكون من الممكن أن يعرف بدقة من التقى بمن، وماذا تبادلا من أحاديث، وأين أمضى كل شخص ليلته…”
دقة المعلومات وكذلك دقة التصويب الإسرائيلي على الأهداف البشرية، كما في الاغتيالين الأخيرين، تغلّب نظرية الخرق الأمني، وهو أمر محتمل، فيما الحقيقة تكمن في حسن استخدام العلم وتوظيفه ولا سيما في تكنولوجيا الاتصالات.
تقول الإحصاءات أن أربعين بالمئة من هذه التكنولوجيا على الصعيد العالمي صناعة إسرائيلية وأن أربعين بالمئة من التجارة الخارجية الإسرائيلية تعتمد على تصدير هذه المصنوعات. ليس مستبعداً إذن أن يملك العدو داتا الأكف الإلكترونية في هواتفنا وحواسيبنا وسياراتنا، فلن يكون ممكناً، إذا صح ذلك، حظر استخدامها ولا مجدياً اتهامها بالعمالة.
على صعيد الصناعة أيضاً، بات من المعروف أن البلدان الرأسمالية تحتكر لنفسها أحدث الأسرار الصناعية وتصنيع الأساسي من الآلات؛ وهي تجيز للبلدان الأخرى إنشاء معامل تجميع أو صناعات من الجيل القديم، وإذا ما اكتشفت إحدى الدول النامية سراً صناعياً، كما هي الحال في المسيّرات الحربية، سرعان ما ترى نفسها عاجزة عن اللحاق بالصناعات المتقدمة لأن ما يرجح كفة المنتج هو نوعيته المستندة إلى أسرار تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
على الصعيد السياسي سبقت الأحزاب اليسارية والقومية حزب الله في حمل اللواء، لكن التجربة أثبتت أن مهمة التحرر الوطني كانت حاجة سوفياتية جرى تعميمها على بلدان كانت مستعمرة وعلى أخرى لم يطأها الاستعمار، من بينها بلدان المشرق العربي لبنان وسوريا والعراق( استقلت هذه البلدان بعد الحرب العالمية عن السلطنة العثمانية لا عن الاستعمار الرأسمالي). رفعت أحزاب هذه البلدان شعار تحرير فلسطين بدلاً من ضائع في مواجهة عدوها الافتراضي، وتوسله حزب البعث بفرعيه للاستيلاء على السلطة. أما في لبنان فلم يكتسب معناه الحقيقي إلا مع ظاهرة المقاومة المسلحة التي حررت الوطن من الاحتلال الإسرائيلي.
بعد زوال الاستعمار القديم، أي بالاحتلال، ظلت فلسطين البلد الوحيد المستعمر وبات نضال التحرر الوطني حقاً مشروعاً لشعبها، مثلما بات التضامن معه واجباً على كل شعوب الأرض المحبة للسلام. غير أن الأحزاب القومية حاولت مصادرة نضال الشعب الفلسطيني بدل التضامن معه والوقوف خلفه، وتوسلت الأحزاب اليسارية اللبنانية قضيته لإحداث تغيير في طبيعة النظام.
لقد علمتنا التجربة منذ النكبة حتى اليوم، أن القضية الفلسطينية، مع كونها عربية وأممية وإنسانية، إلا أنها تخص الشعب الفلسطيني قبل سواه ودون سواه، وأنها، وإن أضفت عليها الصهيونية طابعاً دينياً قضية سياسية بامتياز، فالصراع حولها ليس بين الأديان ولا هو ضد اليهود بل ضد العنصرية الصهيونية، وبالتالي لن يكون من مصلحة القضية توظيفها وتوظيف الصراع حولها لصالح أي من الديانات السماوية.
إن الصراع المغلوط أدخل القضية الفلسطينية والشعوب الشقيقة والصديقة المتضامنة معها في انقسامات أفضت إلى حرب أهلية في لبنان وإلى ما يشبه الحرب الأهلية في فلسطين، فيما أثبتت الوقائع أن الفلسطينيين بقيادتهم الموحدة تحت راية منظمة التحرير تمكنوا من إقامة دولتهم، وأن انقسامهم أدى إلى جعل الدولة دولتين، كما أثبتت أن وقوف اللبنانيين في التسعينات خلف المقاومة شكل السلاح الأمضى في تحرير الوطن من الاحتلال الاسرائيلي، فيما أدى انقسامهم إلى نشوء دويلات بدل الدولة.
في التسعينات كان شعار “الدولة هي الحل” نوعاً من السباحة ضد التيار. أما اليوم فهو يحظى بشبه إجماع، مع اختلاف على طبيعة الدولة. هل هي الدولة العلمانية أم المدنية أم العادلة أم القادرة؟ بل هي الدولة الدستورية، دولة القانون والمؤسسات.
ألا كل شيء ما خلا هذه الدولة باطل.