https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=845022
المقالة لا تعني معركة دارت في مثل هذا التاريخ بين ميشال عون والنظام السوري ولا الطوفان وربيبتها الإسناد فحسب، بل كل الحروب العربية التي خيضت على امتداد القرن، مع الكيان الصهيوني أو بين أنظمة الأمة العربية وأحزابها. وهي لا تعني صنّاعها فحسب بل قارئيها أيضاً والمحللين الاستراتيجيين والباحثين في سجلات التاريخ عن أسبابها وعن نتائجها.
حين يُسأل محللٌ أو مؤرخ أو صحافي عن لبنان وفلسطين، يبدأ من الكنعانيين والفينيقيين والأمويين والعثمانيين ويختتم بالصين وإيران والصراع الدولي. ينتهي وقت المقابلة ولا يلقى السائل جواباً عن أوضاعنا الراهنة وعن مآل الحرب الدائرة علينا في غزة أو في لبنان.
وحين تسأل واحداً من أحزاب الممانعة عن حروب الأمس واليوم يلقي عليك محاضرة عن أهمية النضال والجهاد في سبيل الله أو دفاعاً عن كرامة الأمة وتأبيداً لسلطاتها المستبدة، ومحاضرة أخرى عن مخاطر المشروع الصهيوني والمخططات الاستعمارية ويرفق إجابته برسوم وصور وخرائط تثبت أن إسرائيل كيان عنصري توسعي مدعوم من الإمبريالية والشيطان الأكبر والغرب الاستعماري. محاضرتان في البديهيات، ما يعني أن المحاضر ليس من هذا العالم.
وحين تسأل واحداً من الشيعية السياسية عن سبل الحل، يرفض تسليم الجيش اللبناني مهمة تنفيذ القرارات الدولية بحجة عدم كفاية سلاحه لمهمة التصدي. هكذا بكل صفاقة، وكأن بدائل الجيش اللبناني من مقاومات فلسطينية أو وطنية أو إسلامية رفعت “الزير من البير”، ومنعت الجيش الصهيوني من تنفيذ تهديداته بتدمير أعدائه وإعادة بلدانهم إلى “العصر الحجري” وتشريد شعوبهم على أرصفة الشوارع وفي أربع أرجاء الأرض.
البطولات بعض من أدوات الحرب. لكن البطولات من غير رؤيا باطلة وتعود على أصحابها بالأذى. أثبتت الوقائع أن حصر الأسباب بالمنطلقات الدينية لخوضها ليس أقل ضرراً من الدوافع القومية. فلا نحن اليوم في عصور التبشير الديني ولا الصراع العالمي بين الإيمان والكفر، ولا الأحزاب القومية اعتنقت فكرة القومية بالمعنى الذي أرسته الحضارة الرأسمالية واستقرت عليه غداة حروبها الدامية.
الأحزاب القومية والدينية لم تدافع عن فلسطين بل عن تأبيد الاستبداد الموروث، ولم تدافع عن سيادة الدولة على حدودها بل عن سيادة السلطات على شعوبها، حتى لو أدى ذلك إلى تفجير الكيانات الوطنية بالحروب الأهلية.
في بدايات القرن الماضي كانت إسرائيل مشروعاً صهيونياً يدعمه الغرب الرأسمالي، وفي نهايته، أي بعد انهيار المنظومة الاشتراكية وانعقاد مؤتمر مدريد، غدت مشروعاً غربياً أداته الصهيونية. تحول باهظ الثمن لم يرض به المتطرفون من الجهتين، ولم يلتقط المسؤولون عن الحروب في بلداننا معناه، وبدل أن يستخلص أتباع الإسلام السياسي من فشل المواجهات التي خاضتها الحركة القومية والتقدمية باسم حركة التحرر العربية درساً صحيحاً ، استخلصوا الدرس بالمقلوب وراحوا يشدون التاريخ إلى الوراء.
كتبت بادية فحص على صفحتها تقول أن من ينتصر في المعركة هو صاحب الطائرة لا صاحب الزمان، والصحيح لا هذا ولا ذاك، بل صاحب الرؤيا الثاقبة، حيث يفوز من يرى المستقبل ويمشي نحوه باتجاه مجرى التطور والتقدم ومن يستثمر في العلم. أما المستثمرون في الخرافة والأساطير بجميع صنوفهم وأفكارهم وأديانهم فمصيرهم غداً، عندما تضع الحرب أوزارها، مع الخاسرين.
في لبنان كما في فلسطين، سينتصر مشروع الدولة والديمقراطية ضد مشاريع الاستبداد والعنصرية وضد منتهكي قانون الدولة أو منتهكي القانون الدولي.
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله