https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=854244
1920- 1926 الاستقلال الأول عن السلطنة العثمانية. بل أعوام التأسيس، تأسيس لبنان الكبير. 1943 عام الاستقلال الثاني عن فرنسا، 2000 الثالث عن إسرائيل، 2005 الرابع عن سوريا، 2025 الخامس عن إيران.
ترسيمة لنتعلم منها ونستخلص درسين سياسيين واستنتاجين مفيدين لإعادة بناء الوطن، لا ليعتمدها علماء التاريخ، وإن اعتمدوها فعليهم التدقيق بها.
عندما دخلت القوات الفرنسية والإنكليزية إلى لبنان في الحرب العالمية الأولى(1914-1918)، كان قد سبقها جمال باش السفاح بتعليق المشانق لصحافيين لبنانيين وسوريين(1916) حلموا بانتقال الولايات السلطانية إلى أوطان جديدة لم تكن مرسومة بعد في مخيلاتهم، ولا كانت الحرب العالمية قد أتاحت بعد للمنتصر برسم خرائطها الجغرافية. لم يكن استقلالاً بالمعنى الدقيق لأنه لم يمثل تحرراً من استعمار، فهذا مرتبط إسماً ومضموناً بالتوسع الرأسمالي والسيطرة على العالم بما في ذلك على تركة الرجل المريض، ولهذا حملت إسم الانتداب.
الدرس الأول المستفاد من الاستقلالات المتتالية هو أن أي نفوذ أجنبي في لبنان ما كان ليحصل لولا نقطة ارتكاز له في الداخل اللبناني يستند إليها ويقدم لها الحماية، فرنسا والمارونية السياسية، سوريا والأحزاب اليسارية والقومية، إسرائيل والانعزالية اللبنانية، إيران والشيعية السياسية.
نقطة الارتكاز في كل مرة تمثلت بمشروع سياسي خاص منسوب إلى إحدى الطوائف الكبرى، وتحمله أحزاب تدعي النطق بإسمها وهي ثلاثة، المسيحيون والسنة والشيعة. المذاهب الأخرى لا تملك القدرة، بسبب صغر أحجامها، على تبني مشروع طائفي فئوي. أما أحزاب أهل السنة وزعماؤها فوقفوا خلف تحالف الأحزاب اليسارية والقومية في إطار الحركة الوطنية اللبنانية التي حملت بالنيابة عنهم مشروع السنية السياسية وصياغته في البرنامج المرحلي للإصلاح السياسي.
هذا الدرس الأول يعني أن التحرر من السيطرة الخارجية يبدأ بالتحرر من أوهام السيطرة الفئوية في الداخل، ولا سيما وهم بناء الأوطان بعقليات قروسطية أو بالشراكة أو بالمحاصصة بين زعماء الطوائف أو بالاستئثار والغلبة، بل بالديمقراطية والاعتراف بالآخر وبالتنوع وحق الاختلاف.
الدرس الثاني يتمثل في أن نقطة الارتكاز لم تكن الطوائف بل أحزابها، وهي كلها متشابهة على اختلاف عقائدها وإيديولوجياتها. الأحزاب الدينية أو الطائفية أو العقائدية، اليسارية منها واليمينية، كانت تختار أسلوب استدراج الخارج والاستقواء به ضد أبناء الوطن، كما كانت، على اختلاف مواقعها في السلطة أو في المعارضة، تعتدي على الدستور وتنتهك السيادة والقوانين ما يهدد وحدة الدولة وسيادتها.
الدرس الثاني، لا يكون الدفاع عن السيادة الوطنية بحماية الحدود فحسب من أي اعتداء، فهي كذلك سيادة داخل الحدود، لأن السيادة ليست شيئاً سوى سيادة القانون على الحدود وداخل الحدود.
الاستنتاج الأول هو أن هذا الاستقلال هو النهائي، لأن الطوائف استنفدت طاقاتها على طرح المشاريع الفئوية. مع كل استقلال كان اللبنانيون يثبتون أن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، فلا هو الوطن القومي المسيحي، ولا هو ولاية عثمانية أو إسلامية أو عربية، ولا هو بلد التوتاليتاريات السياسية أو الدينية بل هو موئل للديمقراطية والحريات وتجسيد للتنوع والتعدد من داخل وحدته الوطنية وانتمائه العربي.
إن لم يكن من باب اليقين اعتبار الحرب الأخيرة هي خاتمة الحروب وهذا الاستقلال هو النهائي، فليس ما يمنع اللبنانيين من أن يحلموا بأن يكون استقلالهم محل إجماع هذه المرة وأن يناضلوا ليجعلوه محل إجماع، وبأن الوطن لا يكون نهائياً من دون استقلال نهائي.
الاستنتاج الثاني هو أن الاحتضان العربي والدولي للقضية اللبنانية متعدد الدلالات. فهو لا يشير فحسب إلى أن للعالم مصالح سياسية واقتصادية في بلادنا. لكن ذلك من طبيعة النظام الرأسمالي العالمي الذي ما زال يجتاز مرحلة تطوره الأفقي، بالتعبير الماركسي، في بلادنا، لتعميم قيم الحضارة الرأسمالية. من ناحية أخرى، يحتل لبنان أهمية كبرى في نظر محيطه العربي والعالم، وذلك بفضل الصورة الزاهية لدور اللبنانيين المقيمين أو المغتربين، في أميركا وأوروبا كما في العالم العربي، التي يرسمها بنوه في كل الميادين.
يرى البعض في هذا الاحتضان شكلاً جديداً من الوصاية وانتهاك السيادة. مثل هذه النظرة قاصرة عن فهم التحولات الجذرية في العلاقات الدولية، ذلك أن القرية الكونية الموزعة على قارات وبلدان وشعوب كسرت بالعلم والاقتصاد والذكاء الاصطناعي كل الحدود وقلصت من أهمية البعد الجغرافي للسيادة، وجعلت احترام القانون والالتزام بأحكامه من أهم معانيها.
خلاصة الدرسين والاستنتاجين واحد: لا حل إلا بالدولة، دولة القانون والمؤسسات.
مقالات ذات صلة
الممانعة والمحور
لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ماهية الدولة
سقوط الطغيان والتحرر الوطني