10 مايو، 2025

الإصلاح السياسي أساسي حتى في الجندرة

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=867121
  
الحوار المتمدن-العدد: 8330 – 2025 / 5 / 2 – 00:16

ا
قال ماركس، إن الحضارات تقاس بدور المرأة. وقال نابليون، المرأة التي تهز السرير بيمينها تهز العالم بيسارها. وقيل المرأة نصف المجتمع. ويرى قاسم أمين “أن الاستبداد إذا غلب على أمة فإن أثره في الأنفس لا يقتصر على الحاكم الأعلى المستبد، وإنما يتصل بمن حوله”. عدت نساء رائدات في العالمين القديم والحديث، السيدة مريم، الخنساء، زنوبيا، شجرة الدر، جاندارك، كاترين، وغيرهن كثيرات. لم تكن تلك الأسماء سوى حالات فردية موزعة بين الأزمنة والأمكنة والمعتقدات.
ارتبط تاريخ هذه القضية بثلاثة عوامل. السياسي وهو الحاسم، تجسده الأقانيم الثلاثة، الحرية والمساواة والديمقراطية. الحرية بمعناها الفلسفي لم تعرف إلا مع الكوجيتو الديكارتي، أي حرية العقل والتفكير.”أنا أفكر إذن أنا موجود”. قبل الكوجيتو وردت كلمة الحرية كنقيض للعبودية. من القرن السابع عشر حتى العشرين، اكتملت صورتها في شرعة حقوق الإنسان وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
المساواة لم تطرح كقضية على جدول عمل التاريخ إلا مع الثورة الفرنسية. المعنى الأصلي للمصطلح هو المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات، لا ذاك الذي دارت حوله حوارات عقيمة بين الغني والفقير أو بين الرجل والمرأة. صارت الحرية والمساواة من حقوق الإنسان الفرد، وانفتح المجال لمشاركة الجميع، ذكوراً وأناثاً، في عملية الإنتاج.
الديمقراطية بحث دائم عن تنظيم العلاقة بين القوي والضعيف لتقليص نسبة الاستبداد. لم يشكل نظام الأكثرية والأقلية في السلطة السياسية صيغة مثلى، فظهر مبدأ الحق بالاختلاف والاعتراف بالآخر ليمنح الديمقراطية فرصة جديدة للترقي.
احتاج التاريخ، لإثبات صحة حقائقه، إلى قرون لا إلى سنوات. من السابع عشر إلى العشرين، إذ تمكنت الحضارة الرأسمالية من تحقيق إنجازاتها العلمية والاقتصادية وتعميمها على الكون، أما إنجازها السياسي في تحقيق الديمقراطية فقد كان عصياً على التعميم. إذ لا تزال بلدان كثيرة تنوء تحت استبداد التقاليد والأحزاب والحكومات. حتى في عرين الرأسمالية لم يكتمل هذا الإنجاز، حيث يمارس الاقتصاد، بالخفاء من غير ضجيج وبعنف غير مرئي، استبداداً ناعماً يلتف فيه على قيم الحرية والديمقراطية والمساواة فيبددها وينقلها إلى حيز الأحلام.
منظومة القيم السياسية في الحضارة الرأسمالية احتاجت إلى حماية عن طريق القانون الوضعي. أما القيم الاجتماعية فهي، في حد ذاتها، بمثابة قوانين. حين يتعارض الوضعي مع الاجتماعي تكون الأرجحية للأول، في كل نظام حديث قامت فيه دولة الحق والقانون والمؤسسات، وللثاني في الدول التي لم تشهد النقلة السياسية من الاستبداد إلى الديمقراطية. هكذا يستمر الصراع في عصرنا بين قوانين الدولة الحديثة التي يصونها القضاء والقوانين الاجتماعية التي تحتكم إلى القضاء الشرعي الذي تحميه المؤسسة الدينية وتنظيمات ما دون الدولة، كالبنى القبلة والعشائرية والطائفية والميليشيوية، أو ما فوق الدولة كالعولمة الاقتصادية الرأسمالية.
فرضيتنا هذه تؤكدها تجارب عديدة في العالم العربي. نذكر منها مبادرة الرئيس اللبناني كميل شمعون في سن قانون يساوي بين الرجل والمرأة في الانتخابات في خمسينات القرن العشرين، ومبادرة الرئيس التونسي في وضع حدود بين قوة التأويل الديني وقوة القانون الوضعي، ومبادرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في بداية الحادي والعشرين التي ذهبت إلى أبعد من قضية الجندرة والمساواة بين الرجل والمرأة.
الإصلاح السياسي هو أساس كل إصلاح. والاستبداد هو أصل العلة ولا حل لقضايانا ومشاكلنا خارج دولة القانون والتربية على الديمقراطية.

About The Author