25 مايو، 2025

البلديات اللبنانية: فاز الاستبداد الحزبي

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=869849
  
الحوار المتمدن-العدد: 8350 – 2025 / 5 / 22 – 08:38


الانتخابات تمرين على الديمقراطية لا بد منه، أيا تكن النواقص والثغرات والصعوبات. وهي واجب وطني لا يبرر عدم القيام به إلا سبب صحي أو سفر. الأفكار والمواقف على اختلافها التي تلتقي بصمت داخل صندوقة الاقتراع ليتها تكون قادرة على الالتقاء والتفاعل خارجها من غير صخب ولا ضجيج.
وهي مدرسة يتعلم منها الناخب أصول التخطيط للفوز ويفترض أن يستخلص منها الخاسر دروساً مفيدة للدورة التالية. وهي توفر، أياً تكن النتائج، للإعلاميين وللباحثين وخبراء الإحصاء مادة غنية تشغلهم لأشهر تسبق أو تلي مواعيد الاستحقاق.
يستوقفنا في نتائج الانتخابات البلدية لعام 2025 أمران، الأول يتعلق بقوى التغيير والثاني بأحزاب السلطة، بل أمر واحد هو فوز هذه الأخيرة في كل بلديات لبنان، في المدن وفي القرى، وابتهاج بعض وسائل الإعلام والمحللين بنتيجة أثلجت صدور الذين انزاح عنهم كابوس التغييريين، وهذا بعض من علامات القراءة المغلوطة للأرقام والتشخيص الخاطئ لأسباب الأزمات الوطنية المتناسلة.
بدت الأزمة في نظر المبتهجين كأنها ولدت ليلة وصول بضعة عشر “تغييرياً” إلى المجلس النيابي، فتشكلت جوقة أخذت على عاتقها التحريض على الظاهرة البرلمانية والتشكيك بدورها. هذا يعني أن بعض الذين شاركوا بفعالية في ثورة 17 تشرين لم تتطابق عندهم حسابات الحقل مع حسابات البيدر، فسارعوا إلى التنصل من فعلتهم وندموا على ما فات.
نواب التغيير شاركوا، من حيث لا يدرون، في تشويه صورتهم وفي عملية الشرذمة، ربما لحداثة غير محسوبة عند معظمهم ولضخامة الدور الذي فرضت عليهم الثورة أن يتنكبوه. ومهما بدت النتائج متعارضة بين النيابية والبلدية فإن القانونين المعتمدين في كل منهما لا يعكسان بشكل صحيح موازين القوى واتجاهات الرأي العام. ذلك أن الكتلة الناخبة التغييرية في النيابية تخطت الثلاثماية ألف صوت، وكانت هي الأكبر بين الكتل على الصعيد الوطني، هي الوحيدة الممثلة للتنوع والتعدد والوحدة الوطنية. أما في البلدية فمن الطبيعي أن يفرز النظام الأكثري أرقاماً مختلفة عن النظام النسبي.
الأرقام وحدها لا تقدم المعطيات الكافية لقراءة النتائج. التحالفات هي الأكثر دلالة، لا حيث يبذل الثنائي الشيعي الغالي والرخيص لتعطيل الديمقراطية بالتزكية أو باللوائح التوافقية بل لدى جميع الثنائيات التي تآلفت وتحالفت واجتمعت وتجاوزت خصوماتها ولعنت الشيطان الذي وسوس لها ذات حروب وأدخلها في أتون الشحن المذهبي والطائفي والتعصب الحزبي.
في البلديات إصرار على فوز أحزاب السلطة على المجتمع، بل على فوزها مجتمعة، عند الحاجة، ضد قوى التغيير، أو فوز بعضها على بعضها الآخر حين ينتفي الخوف من الخسارة أمام المعارضة. ماذا يفيد العمل البلدي والتنمية انتصار القوات على الكتائب في زحلة أو انتصارهما معاً على التيار في بلديات أخرى؟ وماذا أفاد الاتفاق على تحاصص الرئاسة في بعض بلديات الجنوب بين أمل وحزب الله، أو حل البلدية إذا ما حل الخلاف بينهما؟ وكيف صار اللدود ودوداً في بيروت؟ ألأجل المناصفة؟ لكن ليس بالمناصفة وحدها يبنى الوطن.
أظن، ولعل الظن يكون فألاً حسناً، أن الانتخابات البلدية في صيدا هي التجربة الديمقراطية الأرقى، لأن العصبية الحزبية فيها تتوارى خلف الحرص على التنمية وعلى المدينة.

About The Author