29 مارس، 2024

شهادات “حقوق الإنسان” والدولة الصهيونية

بول كسلر وجوزف باريسي

عن الموند دبلوماتيك نيسان 1985

        بناءً على تكليف من مركز التعاون مع جامعة بيرزيت، وهو المركز الذي أسّسه عدد من الجامعيين والبحّاثة الفرنسيين، توجّهت البعثة إلى جامعة بيرزيت، لكي تهتم بقضايا مرتبطة بحقوق الإنسان، وبالحريات الأكاديمية في الجامعة، وفي المؤسّسات التربوية الأخرى في الضفة الغربية. واجهتنا منذ اللحظة الأولى قضايا عديدة.

        الأولى: قضية الأربعة عشر طالباً الذين تعرّضوا لأحكام بالسجن تتراوح بين خمسة عشر وأربعة وعشرين شهراً، بعد اتهامهم برشق الجنود الإسرائيليين بالحجارة.

        الثانية: قضية السبعة عشر طالباً من جامعة بيرزيت الذين زجّت بهم السلطات الإسرائيلية في السجون، طيلة أسابيع، دون أن تُخضعهم للتحقيق، أو أن توجِّه إليهم تهمة معيّنة.

        الثالثة: قضية الطالب حلمي محمود الحراج الذي استمرّ في السجن طيلة تسعة وستين يوماً، دون أن يعلم أحد من أقاربه عن مصيره خلال الأربعين يوماً الأولى من اعتقاله.

        الرابعة: قضية رياض مفلح أمين، وهو من عرب 1948، يدرس مادة البيولوجيا، ويتلقّى كل ستة أشهر أمراً عسكرياً بعدم الدخول إلى الضفة، دون أن يقدّم أي تفسير لذلك.

        الخامسة: قضية التعامل مع المعتقلين من الطلاب، حيث تمنع السلطات عنهم أيّة وسيلة أو وثيقة تمكّنهم من المحافظة على أجواء الحد الأدنى من الصلة مع دروسهم. وغير ذلك من القضايا التي تعتبر، بشكل أو بآخر، نقضاً لكل قوانين حقوق الإنسان المعروفة في العالم.

        يقول الإسرائيليون أنّ “قذف الحجارة يمكن أن يكون أشد خطراً من إطلاق الرصاص”! ويقول المدّعي العام، بعد أن وجّهنا إليه أسئلة حول المسائل الملموسة، أنّه ليس على علم بما حصل لمعتقلي “الرشق بالحجارة”. وقال ثالث: “إنّنا نسمح بأي شيء إلاّ الدعاية لمنظمة التحرير الفلسطينية”.

حب الوطن ممنوع

        خلال لقائنا مع عدد من الضباط المسؤولين عن شؤون الأمن، أكّدوا لنا أنّ الطلاب الفلسطينيين يمارسون نشاطات ممنوعة في حرم الجامعة، وعرضوا لنا “وثائق” تدين انخراط هؤلاء الطلاب في الدعاية الوطنية التي تبثّها منظمة التحرير، ومن هذه الوثائق:

        1 – خارطة جغرافية لفلسطين، ضمن الحدود التي رسمها الانتداب الإنكليزي. وقال أحدهم عن الخارطة: “انظروا كيف أنّهم يريدون رمينا في البحر، أنا وعائلتي وكل سكان تل أبيب”. ومن الجدير بالذكر أنّ الخارطة التي تعتمدها إسرائيل هي أيضاً تلك التي يحدّدها الانتداب الإنكليزي.

        2 – النص العربي والنص الإنكليزي لبيان موقّع من حركة الطلاب الفلسطينيين يدعو إلى المقاومة الشعبية، وينتهي بهذه العبارات: عاشت منظمة التحرير الفلسطينية، الممثّل الوحيد للشعب الفلسطيني، والمجد لشهدائنا الأبطال والخزي والعار للمتعاونين مع العدو من روابط القربى، وإنّها لثورة حتى النصر”. والجدير بالذكر أنّ شكل المقاومة التي يدعو البيان إليها لا يتعدّى إعلان الإضراب السلمي الشامل بمناسبة يوم الأرض. هذا وقد أكّد لنا أساتذة في جامعة بيرزيت أنّ التنظيم الذي يطلق عليه اسم حركة اطلاب الفلسطينيين لا وجود له في الحقيقة، وقد كشفوا داخل البيان أخطاء لغوية في النص العربي، الأمر الذي يؤكّد أنّ البيان مفتعل من قِبَل السلطات.

        3 – غلاف كتاب بالعربية كان قد عُثر عليه مع وثائق منظّمة التحرير الفلسطينية في بيروت، وعليه فهرس يتضمّن في أحد عناوينه اسم جامعة بيرزيت. ترجم أحد الأساتذة النص العربي: “إنّ جامعة بيرزيت وضعت الحاكم العسكري في حالة ارتباك”.

        إضافة إلى وثائق أخرى عديدة مشابهة.

        أمّا عن حالة السجون فإنّ معتقل فرعه يشكل الدليل على خرق حقوق الإنسان. المعتقل هو أحد الأبنية التي تركها الجيش الإنكليزي، واستخدمها، فيما بعد، الجيش الأردني، ثم أُعيد فتحه في عام 1982 لكي يستخدم مكاناً للاعتقال لا سيما أقسامه التي يُطلق عليها اسم “الزريبة” وهي الأمكنة التي كان يستخدمها الجيش الإنكليزي للخيول. وفي هذه الزرائب غرف كبيرة (عرض تسعة أمتار وطول عشرين متراً) الواحدة منها مصمَّمة لتتسع لحصان واحد، كان يُحشر فيها خمسة مساجين ولم يكن في السجن لا مراحيض ولا دورات مياه وكان يزج في داخله بأكثر من ستين معتقلاً.

        وفي الظروف التي يتضاعف فيها عدد المعتقلين تلجأ السلطات إلى نصب خِيَم، حول المبنى، لاستقبال العدد الفائض من المعتقلين، ويحشر في خيمة واحدة وفي مساحة لا تتجاوز العشرين متراً مربعاً أكثر من خمسين معتقلاً، ممّا يؤدي إلى تفشي الأمراض والأوبئة بسرعة، في ظل ظروف صحية بالغة الصعوبة.

        وممّا يلفت النظر في معتقل فرعه عزل المساجين عن العالم الخارجي بحيث لا يتمكّن المعتقل، طيلة فترة اعتقاله داخل هذا السجن، من أن يتصل بأحد أقاربه أو بأحد المحامين ولا حتى بالصليب الأحمر. وربما كانت هذه الإجراءات القاسية وراء تكليف الجيش، وليس الشرطة، بحراسة المعتقل، الأمر الذي يفرض داخل المعتقل بعض القوانين الاستثنائية، منها إلزام المعتقلين بالوقوف “تأهُّباً” عند دخول الجنود إلى غرف السجن، وبوضع اليدين خلف ظهورهم، وبالصمت، وخلال وجبات الطعام يجبر المعتقلون على الوقوف ولا يجلسون إلاّ بعد أوامر تصدر من قِبَل الجنود. إضافة إلى ذلك يُحلق شعر المعتقل بشكل كامل.

        إنّ بعض مشاهدات اللجنة المكلَّفة بمتابعة هذه المسألة تدفعنا إلى الاعتقاد أنّ حضارة العالم المعاصر تأبى أن يتعايش فيها هذا المستوى من التقدُّم التكنولوجي وذاك الصنف من الإجراءات اللاإنسانية.