24 أبريل، 2024

في لقاء بيريز – مبارك

عــلامَ سيلتقيــان

        بعد انقطاع طويل، من المتوقع أن يلتقي الرئيس المصري حسني مبارك برئيس الوزراء الإسرائيلي شيمون بيريز في أيار المقبل. وبلقائهما نعود فنطرح الأسئلة إيّاها: علامَ سيتفقان؟ وما الذي أخَّر لقاءهما هذه الفترة الطويلة؟ وهل يعني اللقاء أنّ ألأسباب المانعة قد تحوّلت إلى اسباب موجبة بقدرة قادر؟

        يقول المراقبون أنّ عازار وايزمن قد مهّد بشكل جيد لهذا اللقاء، وكسر جليد العلاقات بين البلدين، غير أنّ وايزمن، وهو قائد الاجتياح الأول على جنوب لبنان عام 1978، وحفيد وايزمن، الأب الروحي لدولة إسرائيل، يعرف تمام المعرفة أنّ نجاح المساعي السياسية لا يقوم على مهارة “الوسيط”. وفوق ذلك فإنّ “وساطته” محفوفة بالخصومة الداخلية، لا سيما وأنّه عبَّر أكثر من مرّة عن اعتراضه على سياسة الليكود، وكان أول من ترجم امتعاضه منى صلف بيغن يوم استقال من حكومته الأولى، وهي أيضاً، أي الوساطة، محمولة على الشكوك المصرية بسياسة إسرائيل، وعلى الرغبة الخجولة باستئناف العلاقات بعد أن انقطع وصلها غداة الاجتياح الإسرائيلي للبنان.

        رغم كل ذلك فقد تمكّن وايزمن من الحصول على موافقة مبدئية على لقاء القمة. لكن بين المبادئ والتفاصيل العملية طريق طويل وصعب. وأصعب ما فيها الخطوة الإسرائيلية الأولى، والخطوة المصرية الأولى. ففي تل أبيب ستنعقد مفاوضات بين رأسي الحكومة، تمهيداً للمفاوضات مع مصر. وليس خافياً طبعاً أنّ تجمُّع الليكود لا يرى فائدة من مثل هذا اللقاء. مما قد يعرّض التحالف الحكومي إلى أزمة، وقد تعرَّض لها على كل حال، عبد بدء الحديث عن زيارة وايزمن التمهيدية. فكيف ستكون الحال بعد أن قام “الوسيط” برحلته؟

        إنّ الظروف الداخلية فرضت على إسحق شامير الموافقة على تشكيل فريق عمل لتحضير ورقة عمل للمفاوضات. وقد تشكَّل الفريق من دافيد كمحي، المدير العام لوزارة الخارجية، أبراهام تامير مدير مكتب رئيس الوزراء، الجنرال مناحيم إينان، رئيس دائرة الدراسات الستراتيجية في القوات المسلَّحة. ومن المفترض أن يقدّم هذا الثالوث خطة واضحة إلى رئيس الوزراء بيريز “و”الرئيس المضاد” شامير، متضمّنة وجهة نظر لتسوية شاملة للمسائل العالقة، وفي طليعتها: حسم مسألة طابا، ومن المعروف أنّ البلدين يدّعيان السيادة على الجزيرة، ثم يلي ذلك مسألة المطالبة الإسرائيلية بحق البحث عن جثث الجنود – الضفادع الذين اختفوا عام 1968 قبالة شاطئ الإسكندرية؛ أمّا الموضوع الثالث فهو تطبيع العلاقات.

        هذه العناوين العامة تنطوي على مواضيع تفصيلية منها المطالبة بعودة السفير المصري الذي غادر إسرائيل قبل ثلاث سنوات، وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين، وتشجيع تبادل البعثات السياحية، لا سيما باتجاه إسرائيل، ووضع حد للحملات المعادية للساميّة في القاهرة.

        ممّا لا شك فيه أنّ إسرائيل أكثر قدرة على وضع لائحة بالمطالب، باعتبارها أكثر وضوحاً فيما تخطط له، وذلك بصرف النظر عن الخلاقات التي تقوم بين جناحي الحكم. أمّا الجانب المصري فإنّ ورقة العمل التي يفترض أن يقدمها تنطوي على مطلب “استفزازي” يتناول السيادة على طابا، إضافة إلى مطلب مستحيل، وهو إيجاد حل للضفة والقطاع والقضية الفلسطينية، أي لما تسمّيه إسرائيل يهودا والسامرة ومسألة اللاجئين الفلسطينيين، والفرق بين التسميات كبير وجذري، وهو الفرق الذي “يضمن” استمرار الخلاف، حتى في أحسن أجواء المفاوضات. أما الموضوع الثالث الذي تطالب به مصر فهو الانسحاب الإسرائيلي، وهو أقل النقاط إثارة للحدّة والتوتر.

        بين المطالب التي تتضمّنها ورقة عمل مبارك ما هو مرتبط بالوضع اللبناني، وبالوضع الفلسطيني، وبالوضع المصري. وحسب الأولويات ينبغي أن يكون موضوع طابا هو الأساس، لاعتبارات داخلية، وإثباتاً لمصداقية اتفاقات كامب دايفيد التي ينبغي ـن تخرج إسرائيل، بموجبها، من الأراضي المصرية بشكلٍ نهائي. والمقصود طبعاً طابا. لكن صعوبة هذه المسألة تكمن في طبيعة مبدأ السيادة. فالسيادة لا يمكن أن تكون منقوصة وإلاّ بطلت أن تكون كذلك. لذلك يبدو أيّ حل وسط، ومهما كانت صيغته بمثابة خسارة للطرفين، لأنّه سينتقص، إلى هذا الحد أو ذاك، من السيادة التي تدّعيها كل من الدولتين على الجزيرة؛  ولن تكون إحالة الأمر على المنظمات الدولية إلاّ مجرد تأجيل للحل وإرجاء للأزمة. وليس خافياً، على كل حال، أنّ بيريز موافق على “التحكيم” لكن العقدة ما تزال في الموقف الليكودي، وهنا يلجأ حزب العمل إلى نصوص اتفاقات السلام التي وقّعها بيغن ويستخرج منها الحجج لإقناع شامير، وفيها إشارات واضحة إلى أنّ الطريق السليم لمعالجة قضايا الحدود يبدأ بالفاوضات وينتهي بقبول التحكيم الدولي.

        من قبيل تطمين إسحق شامير، راح بيريز يطلق تصريحات عديدة يؤكّد فيها على احترامه للعلاقات المصرية الإسرائيلية كما أسّسها الموقّعان على اتفاقات كامب دايفيد قال: “ليس لنا سياسة جديدة إزاء مصر، ولن يكون لنا مفاوضات جديدة معها. إنّنا، وببساطة، نحاول، فقط، أن نطبّق ملحقات معاهدة السلام”.

        إذا افترضنا نجاحاً في المقاوضات حول هذه المسألة، يقضي بتأجيل حلّها، فيتسلّح البلدان بالصبر الجميل وبالقدرة على التحمُّل، فإنّ ما لا يستطيع الانتظار هو موضوع القضية الفلسطينية التي لم تعد كما يحلو للطرفين المتفاوضين تصويرها، كل حسب تقديره ووجهة نظره، فهي ليست مسألة يهودا والسامرة، أي استكمال المشروع الإسرائيلي بإحدى حلقاته، وذلك بإضفاء طابع قانوني شرعي على وجود السلطة الصهيونية في الضفة والقطاع، وهي، ايضاً، ليست بالبساطة التي تتصورها مصر ولو اتفقت مع الملك حسين وياسر عرفات، لأنّ الخلافات القائمة بين التصور الأميركي والآخر الإسرائيلي، والثالث العربي متمثّلاً بمحاولات بلورة مشروع مصري أردني فلسطيني، إنّ هذه الخلافات، ولو مانت صغيرة، ما تزال تحول دون التوصُّل إلى حل. ولن يكون ذلك ممكناً إلاّ عندما تتطابق وجهات النظر في ظل موازين إقليمية مؤاتية، ليست سوريا خارجها، ولا المقاومة الوطنية اللبنانية.

        فهل يتمكّن بيريز من القفز فوق خسائره في لبنان، ومن التغاضي عمّا كان لسوريا من تأثير في صنع هذه الخسائر، وبالتالي في صنع الحل؟ وهل ستكون محاكمة الصحافيين في مصر، بسبب تهجُّمهم على إسرائيل، أكثر من ثمن مجاني مسبق لا يضمن أحد نتائجه؟

        الجواب في أيار المقبل؟