24 أبريل، 2024

مفاهيم التقدم وأسلحة الجيل الثالث

        الزيادات المقرّرة في الميزانية العسكرية الأميركية تلحظ إنتاج عدّة آلاف من الرؤوس النووية، خلال السنوات العشر القادمة. ويقول الجنرال وليم هوفر “أنّ حاجات الولايات المتحدة مالياً وعسكرياً يحدّدها الرئيس وحده”. وبناءً على خطة الرئيس، من المتوقّع أن تسحب من الترسانة العسكرية كافة الرؤوس القديمة الصنع، لتحل محلّها رؤوس جديدة. ومن الملفت للنظر أنّ الصعوبات التي تواجه قطاع التعدين وصناعة السيارات هي نفسها التي تواجه قطاع التصنيع الحربي، لا سيما النووي.

        وجهة النظر السائدة حول تجديد السلاح النووي تتناو تطوير “أسلحة الجيل الثالث”،  ومن المفترض أن تكون طاقة هذه الأسلحة مهيّأة لأن تتحوّل إلى أشكال جديدة تفوق الحرارة من حيث الفاعلية، لا سيما بعد أن تمَّ اكتشاف الأسلحة ذات التأثير المغناطيسي، عام 1962.

        يوم فُجِّرت أول عيّنة من هذا السلاح، فوق جزيرة جونستون، في المحيط الهادي، لحقت الأضرار المادية الهائلة أماكن تقع في جزر هاواي، على بُعد 1300 كلم من مكان الانفجار. كما كان العلماء قد اكتشفوا قبل ذلك أنّ أشعة غاما، الناتجة عن التفجيرات النووية في الفضاء، قادرة على خلق حقل مغناطيسي يصل قطره إلى مسافة عدة آلاف من الكيلومترات، ومن خصائص هذا الحقل أنّه لا يشكّل خطراً على الإنسان، لكنّه يدمّر ويعطّل كافة التجهيزات الإلكترونية غير المحصّنة ضد هذا السلاح.

        وبهذا السلاح بالذات تمكّنت القريحة الحزبية من أن تؤسّس لمرحلة جديدة من التدمير، تتمكّن فيها من تصنيف أهدافها، ومن التمييز بين البشر والطبيعة. لكن الرئيس ريغان المصاب بهوس “حرب النجوم” يلح على استخدام مواهب حربية جديدة، تصبح الأسلحة القديمة، بموجبها، جزءاً من أنظمة دفاعية هجومية أكثر تعقيداً، تقوم على استخدام أشعة ليزر وأشعة إكس. ويقوم اعتقاد البعض على أساس أنّ مثل هذه الأسلحة الشعاعية قادرة على تدمير أهدافها على بُعد آلاف الكيلومترات، لا سيما الأهداف الفضائية منها، أي الصواريخ المعادية. بيد أنّ الصعوبة، كما يقول المستشار في البيت الأبيض العالم جورج كيرودت، هي في كون مثل هذا النظام الدفاعي لا يملك المناعة الكافية، فهو يصبح غير صالح للاستعمال، بعد التفجير الأول، وبعبارة أخرى فإنّه يبقى قادراً على تفادي الضربة الأولى فقط، ويستمر الخطر قائماً بعد استخدامه في المرّة الأولى. ويبدو أنّ الخبراء يُجمعون على عدم جدوى مثل هذه الأسلحة، ويشكّكون بإمكانية نشرها. ويقول أحدهم: “ينبغي الانتظار ثلاث سنوات لكي نتأكّد من جدوى هذه الأنظمة وفاعليتها. وحين نتأكّد من نجاحها يصبح بإمكاننا الاعتماد عليها وتطويرها ووضعها موضع التنفيذ”.

خطط عسكرية للحرب النفسية

        وفي المقابل يعتبر السياسيون الأميركيون أنّ التفكير بإقامة مثل هذه الأنظمة هو من قبيل الحرب النفسية، لأنّ السوفيات سيعتقدون أنّم ضعفاء إزاء القوة الأميركية الضاربة، الأمر الذي يمنعهم من التورط في حرب نووية.

        يبدو بوضوح، من كلام العلماء، ومن كلام السياسيين على السواء أنّ الإدارة الأميركية تعود إلى عصور الضرب بالرمل، وإلى عقول السحرة وتضرب عرض الحائط بالعلم، لا سيما “علم الجاسوسية” الذي يحمي القائد المسؤول من خطر “التنويم النفسي” الذي يرغب الأميركيون باستخدامه.

        لقد كشفت الدوائر العلمية عن سر بقي طي الكتمان عن المفاوضات الأميركية السوفياتية حول خطر التجارب النووية. ففي حين كانت المفاوضات تقارب على نهايتها، عام 1979، تمكّن اثنان من خبراء الأسلحة النووية، من أصل ثلاثة يشرفون على هذا الشأن في الولايات المتحدة، من إقناع الرئيس كارتر بعدم التوقيع على مثل هذه المعاهدة. وكانت حجّتهم في ذلك هي ضرورة تنفيذ خطة الردع الجديدة، وهي خطة “أسلحة الجيل الثالث”، قياساً على كون القنبلة الذرية من إنتاج الجيل الأول، والنيوترونية من إنتاج الجيل الثاني. فعند أي جيل سيتوقف هواس الحرب؟

الحـرب والتكنولوجيا

        إنّ قوى اجتماعية عديدة لها مصلحة في مواجهة هذه النزعة العدوانية العسكرية، أو تلك الاندفاعية في ميدان التكنولوجيا، والتي باسمها وباسم التقدم يجري التحضير إلى استخدام العلم في المجال العسكري بشكلٍ أفضل. غير أنّ مفاهيم التقدم تتنافى عند البعض مع هذه الصيغ التدميرية، وتتطابق معها عند البعض الآخر. فأيّ بعض سينتصر؟

        لا شك أنّ للحلفاء الغربيين دوراً في ذلك. ومن المعروف أنّ أوروبا موزعة بين مؤيد بحماسة لأفكار “التقدم” التكنولوجي في المجال العسكري، ومعارض لها. ويبرز فريق ثالث من المتفائلين يقول باستحالة انفجار حرب نووية لأنّ القوى الكبرى التي تملك أسلحة تدميرية تعرف تمام المعرفة أنّ تدمير العدو يعني في صيغته الأخرى تدمير الذات، ويستبعد هذا الفريق أن يُقدم أحد الطرفين على الانتحار.

        ومن سوء حظ بعض البلدان الأوروبية أنّ قضية في مثل هذا المستوى من الخطر لا تخضع إلى نقاش مسؤول بالقدر الذي تستحقّه. بل إنّ السجال يذهب أحياناً باتجاه النواحي القانونية التي تتناول دور الرئيس ومسؤوليته عن مصير بلده، لأنّه وحده الذي يملك سر السلاح النووي (حالة فرنسا، وبريطانيا) ويملك مفتاح الدمار ومفتاح السلاح لبلده وللبلدان الأخرى. وعلى أساس ذلك ينظر البعض إلى صلاحيات الرئيس وقد تحوّلت من صلاحيات حكم يملك أوراق اللعبة ويديرها إلى سطوتها أب يرهب أبناءه بما يختزنه من حقوق التدمير والتسلُّط؛ ولا شك أنّ مثل هذا النقاش القانوني أو النفسي، ليس من شأنه أن يؤسّس لمستقبل البشرية.

        فهل من نقاش مسؤول؟ طبعاً هناك طاقات هائلة يمكن استخدامها في سبيل السلم ولعلّها تنجح.