18 أبريل، 2024

وحدة الكلمة ــــ وحدة العيد

        يكفي أن تعلن الطائفة السنيّة من أول أيام العيد حتى يعلن الشيعة عيدهم في اليوم الذي يليه. تلك هي العادة منذ عقود، وإذا حصل خلاف ذلك، فهو الاستثناء.

        قد يكون ذلك من قبيل التمايز، كما هي الحال بين بعض الطوائف المسيحية التي يفصل بين العيد الواحد عندها أكثر من يوم وأحياناً أكثر من أسبوع. وقد يكون وراء الرغبة باتمايز هاجساً يرتبط بالعصبوية التي، إذا ترعرعت، سرعان ما تتحوّل إلى تعصُّب.

        غير أنّه ما من شك في كون هذه المسألة شديدة الارتباط بالأوضاع السياسية والاجتماعية السائدة. ففي حالة كحالة لبنان، لا سيما في ظروف التقوقع الطائفي الراهنة، يصبح من الطبيعي أن يكون لكل طائفة عيدها وطقوسها ومواعيد صلواتها وغير ذلك ممّا يعصمها عن التشبّه بأية طائفة أخرى.

        كما أنّه ما من شك في أنّ جذوراً تاريخية تقف وراء هذه الرغبة في التمايز، وهو بشكل عام تمايز شكلي، ليس فقط بين المذاهب داخل الدين الواحد، بل بين أديان مختلفة أيضاً. أمّا التمايز الجوهري فهو ذو طبيعة فقهية لاهوتية فلسفية.

        فيما مضى كان يتسابق المتزلّفون على رؤية هلال الشهر لكي يكسبوا حظوة أو غير ذلك لدى الحاكم أو الأمير أو ولي الأمر، وكان من الطبيعي أن تدور حول تلمُّس الهلال سجالات حامية، لأنّها، في الواقع سجالات بين تيارات دينية – سياسية. غير أنّ الملفت للنظر هو استمرار هذا السجال المفتعل بعد أن حلّت المراصد الجوية المتطورة بديلاً عن مقدرة البصر والعين المجرّدة. والحالة هذه يصبح الخلاف حول هذا الأمر محاولة لسجب الزمن إلى الوراء، ودعوة للتخلُّف والجهل.

        ولكم يتفاجأ إنسان القرن العشرين في لبنان حين تطلع عليه بعض القوانين الوضعية وهي تشرع لمثل هذه التمايزات، آخذة بالاعتبار عادات تصبح، مع مرور الزمن، أقوى نفوذاً من القوانين ذاتها. غير أنّ المفاجأة تلبث أن تزول، عندما يقرأ المرء في روزنامة التقويم الشهري لائحة الأعياد الوطنية، فيرى فيها تعديلات شتى. فعيد الاستقلال اللبناني الذي كان موعده السنوي في الثاني والعشرين من تشرين الثاني قد أُلغي، وبإمكانك أ تفسّر سبب الإلغاء، بعد ما أصاب لبنان من تفكُّك وانقسام وتجزئة، ثم استبدل أحد الوزراء هذا العيد بيوم العلم. وعيد الشهداء الذي اعتاد اللبنانيون على الاحتفال به في السادس من أيّار من كل عام تحوَّل تاريخه إلى عيد الصحافة، وغير ذلك من التعديلات التي تفرضها الظروف.

        بيد أنّ تكريس الفوارق الزمنية بين العيدين، إضافة إلى ما ينطوي عليه من فوارق بين المذاهب المتعددة، فهو عبارة عن إصرار على التجزئة والتفرقة في ظل ظروف معقّدة تمر بها المنطقة العربية. وقد يتبادر إلى الذهن أنّ المدافعين عن هذه الوجهة أو عن تلك ليسوا من بين العامة والجمهور، ففي هذه الحالة، وبشكلٍ استثنائي، يبدو القادة أكثر تعصباً وتزمتاً وضيقاً من جمهورهم، وهذا أمر مخالف للمنطق.

        كل عام تتكرّر الدعوة إلى توحيد موعد العيد، وفي ذلك رغبة في توحيد الموقف ضد الأعداء المفترضين. غير أنّ الدعوة تذهب هباءً، لأنّها بحدّ ذاتها، تشكّل تحدياً لكلّ قوانين العلم والفلك، فالشهر الهجري لا يعلنه اتفاق بين المؤمنين، بل تحدّده دورة القمر حول الأرض ودورتهما حول الشمس، والمرجع الوحيد الموثوق لتثبيت العيد هو العلم  والمراصد.

بانتظار ذلك تبقى وحدة الكلمة أكثر صعوبة وتعقيداً. وبها يتحدّد ما إذا كان القمر يدور بطريقة واحدة أو بطريقتين، إلى أن تُثبت المراصد عكس ذلك.