28 مارس، 2024

البيئة الخاطفة

19-8-2-12

تعدد الخاطفون والبيئة الخاطفة واحدة : هي بيئة الابتزاز السياسي والمالي، أو بيئة الاعتداء على سيادة القانون. سياسة  القبض على أبرياء وتحويلهم إلى “رهائن” ، من إولى عمليات الخطف اليسارية “الثورية” وخطف الطائرات والسيارات ، حتى عمليات خطف الطرق والساحات، وصولا إلى عملية “جيش التحرير المقدادي” في الضاحية  وقبلها بقليل الموقعة الأسيرية في صيدا، المنطق واحد وإن تعدد المنفذون.

في المرحلة الأخيرة من هذه الظاهرة لم تعد تتركز الأنظار عند جانبها الإنساني ، أو بالأحرى  اللاإنساني، بل عند البيئة الحاضنة للخطف ،وكانت الاتهامات المضمرة تتوجه ، بعد كل عملية ، نحو حزب الله اللبناني ، خصوصا بعد أن تفاقمت العمليات و تعممت كوسيلة ” شعبية” لانتزاع حقوق ” مشروعة ” أو للسطو على حقوق ” غير مشروعة” ، وصار ينتظر اللبنانيون ردة فعل الحزب على أية عملية، كما ينتظرون دوره اللاحق في حل فصولها الدرامية أو المالية ، ولا سيما أن المسرح الذي كانت تنطلق منه العمليات أو تتجه إليه، كان في معظمه، ضمن نطاق نفوذ الشيعية السياسية ( باستثناء ظاهرة الأسير التي رأينا في مقالة سابقة أنها، هي الأخرى، بضاعة شيعية).

ظاهرة الخطف ، وخصوصا بعد الموقعة ” المقدادية”، أخرجت حزب الله عن صمته، وجعلت الأمين العام يتناولها في كلامه فأدانها وتبرأ منها ورأى أن محاصرتها ومعالجتها جذريا أمر لا يمكن أن يتم إلا من خلال مشروع الدولة .

الكلام عن مشروع الدولة لم يغب عن كل خطابات حزب الله ، وهو مشروع ينطوي ، حتى في الخطاب الأخير على التباس دائم بين مفهومي الدولة والسلطة. مع ذلك ، فإن المستجد في  الكلام الأخير قد لا يكون في مضمونه بل في السياق الذي ورد فيه ، وهو يحتاج إلى من يلاقيه في منتصف الطريق ، بحثا لا عن حل لظاهرة الخطف فحسب ، بل عن حل ، ولو مؤقت ، لأزمات لبنان المتداخلة ، ومن بينها أزمة علاقة القوى الداخلية بالخارج ، ومنها العلاقة بسوريا وإيران.

علينا ، إن كنا جادين في البحث عن حل ، أن نفترض أن حزب الله صادق في البحث عن صيغة لإعادة بناء الكيان اللبناني على أساس تعددي ، حتى لو كان يسعى ، علنا أو بالتقية ، عن غلبة لمشروعه داخل مشروع الدولة التعددي . وأنه صادق في البحث عن مخرج من أزمة الفلتان الأمني والسياسي المستشري في البلاد ، وصادق كذلك في البحث عن سبيل للخروج من مأزق السلطة التي ورط نفسه فيها شبه منفرد ، ومن مأزق فائض السلاح الذي يمتلكه ، وله في كل ذلك منطقه في التحليل والتشخيص ووصف العلاج .

لكن ملاقاته في منتصف الطريق تملي عليه الاعتراف بمسؤوليته الجزئية عن حالة الفلتان العامة التي نشأت في البلاد . ذلك أنه ، حين أجاز لنفسه ، كقوة موازية للدولة ، أن يمتلك سلاحا ، وأن يستخدم هذا السلاح للحصول على مكاسب سياسية ، كأنما حفز كل من يملك سلاحا من خارج الدولة ، فردا أو جماعة ، أن يستخدم هذا السلاح لتحصيل حق ” مشروع ” أو للسطو على حق     “غير مشروع ” .

هذا يعني أن بداية طريق الحل تكمن في إلغاء المبرر أو الذريعة التي رفعها في صورة علنية من قام بعمليات قطع الطرق، طريق المطار ومدخل صيدا الشمالي وطريق المصنع ، أو استخدمها بطريقة ضمنية من قام بخطف “الزيادين” منذ سنوات ، لأسباب سياسية ، أو من قام بخطف متمولين في البقاع بهدف السلب والابتزاز المالي ، وصولا إلى سائر أشكال انتهاك سيادة الدولة. كل هؤلاء تجرأوا على انتهاك القانون بعد أن رأوا في سلوك حزب الله حيال الدولة حافزا ومشجعا ورأوا فيه صورة مثالية للبيئة الخاطفة.