19 أبريل، 2024

السبًابة والدولة

8-4-2012

حبيبتي الدولة

منذ أن صارت السبابة أداة للتهديد والوعيد، كرر سياسيو لبنان من رفعها ، الواحد في وجه الآخر. أبرز سبابتين رفعتا مؤخرا كانتا للنائبين محمد رعد ووليد جنبلاط . سبابة الأول كادت تأخذنا إلى الطرب حين قال : ” إنما للصبر حدود”؛ وسبابة الثاني ذكرتنا بالنسبية التي طرحها الزعيم الوطني الكبير كمال جنبلاط في برنامجه المرحلي لإصلاح النظام السياسي ، والتي رفضها إبنه ثم هدد بالانسحاب من الحكومة ، إن ساورتها نفسها إقرار النسبية في قانون الانتخابات.

تهديدان صريحان . لكن ضد من ؟ إنهما ضد الشعب اللبناني وضد الدولة وضد الوطن . هذا مع العلم أن الأول يهدد الذين يتخيل أنهم يتعرضون بالسوء للمقاومة ، و يهدد الثاني من يتخيل أنه يعرض وحدانية تمثيل طائفته في المجلس النيابي . كل منهما يدافع عن قضية حزب أو عن قضية طائفة ، حتى لو تعارضت القضيتان مع مصالح الوطن العليا. فالحزب في نظر أحدهما ، والطائفة في نظر الآخر ، هما الوطن ، وهما المعيار ، وفيهما تتجسد السيادة .

إن كان للمقاومة شرف الانتصار على إسرائيل ، فهذا موضع اعتزاز للبنانيين جميعا ولكن! قبل الاحتلال الاسرائيلي وخلاله وبعده كانت هناك مشلكة لبنانية ، مشكلة راسخة في بنية النظام ، بمعزل عن الخطر الصهيوني . مشكلة زادت بوجود جيش الاحتلال ولم تضعف في غيابه .

وإن كان لكمال جنبلاط شرف الريادة في الكلام عن الديمقراطية في مواجهة الاستبداد العربي والشمولية الستالينية ، فذلك لا يعني أن سوريا هي المسؤولة عن مصائب اللبنانيين ، بل هو العطل الداخلي الذي عاث فسادا في النظام قبل الدخول السوري وتفاقم خلال وجوده و لم يتضاءل بعد انسحابه .

هذا العطل موجود بمعزل عن خطر العنصرية الصهيونية ، وهو خطر ماثل دوما طالما أن باب الحل موصود في وجه الحق المشروع للشعب الفلسطيني في أرضه ، وبمعزل عن خطر السجن العربي الكبير ، وهو خطر ظل مضمرا طيلة عقود من الزمن ، منذ أن راح الاستبداد العربي عموما والبعثي على وجه الخصوص يعلي جدران السجن من بدايات المرحلة القومية.

لغة السبابة ، فضلا عن كونها تلغي الديمقراطية ، فهي  تلغي البحث عن العطل الداخلي ، فتصور للرأي العام أنه عطل ناجم عن الخطر الخارجي الصديق أو العدو ، وفي هذه الحالة يصبح تصور حزب الله والتصور الجنبلاطي للمسألة اللبنانية مرتبطين بمصالح الحزبين الضيقة ، وبطريقة تمثيلهما في المجلس النيابي المقبل ، الذي يعرف كل منهما أن نتائج الانتخابات لا تحددها إرادة اللبنانيين الحرة ، بل عوامل كثيرة أخرى أبرز ما فيها هو تعطيل هذه الإرادة.

نقل عن لسان النائب رعد كلام موجه إلى السفير الياباني : الفرق بين انتخاباتنا وانتخاباتكم ، هو انكم تعرفون نتائجها بعد فرز الأصوات في صناديق الاقتراع ، أما نحن فنعرف النتائج قبل حصول الانتخابات . إذن لماذا الانتخابات عندنا ؟ هي فحسب لإيهام الناس بوجود نظام ديمقراطي . إنه ، بالأحرى ، ديمقراطية التهديد والسبابة .

التهديد هو أقصر الطرق لشحن الحزب والطائفة، باسم  المقاومة أو باسم مواجهة السجن الكبير، حول صندوق اقتراع يحفظ حق رافعي  السبابات في ممارسة الاستبداد .

إن لهذا النوع من الاستبداد أيضا ربيعه القادم .