25 أبريل، 2024

تعديلات على بيان بعبدا

17-6-2012

   ينص البند الأخير من بيان بعبدا ، حرفيا ، على ” مواصلة دراسة السبل الكفيلة بوضع الآليّات لتنفيذ القرارات السابقة التي تمّ التوافق عليها في طاولة وهيئة الحوار الوطني.”

هذه الجملة تدل ، وحدها ، على حجم المماحكات التي واجهتها رئاسة الجمهورية ، لإقناع المتحاورين بالحضور،  ثم بالاتفاق على كامل بنود البيان . مماحكات تشبه تلك التي تدور في أروقة المحافل الدولية ، وتمنع مجلس الأمن من إصدار قرار ، وترغمه ، تعويضا ، على إصدار بيان رئاسي  .

على كل حال ، حتى لو لم يكن الفيتو معلنا ، فقد ظهر واضحا أن البيان غفل من التوقيع . حتى التوقيع ، لم يسمح لرئيس الجمهورية أن يصدره باسمه ، فصدر باسم قصر بعبدا ، بصفته مكانا وطاولة ، لا بصفته موقعا ينطوي على قيمة رمزية وطنية .

كان يمكن الكلام عن تنفيذ القرارات السابقة ،من دون ذلك اللف والدوران. ذلك أن أي مبتدئ في علم النصوص وفي علم السياسة يعرف أنه لا نية لدى الأطراف المعنية بالتنفيذ في أن تنفذ أي حرف من بياناتها السابقة .

تنفيذ القرارات ، بحسب بيان بعبدا ، يحتاج إلى ست مراحل :

 مواصلة ( باعتبار أنها مسيرة طويلة ، بدأت من سنوات وقد تحتاج  إلى سنوات أخرى، وإلى مواجهة تشبه عدوان تموز ، واجتياح بيروت والقمصان السود والدوحة وشهود الزور …)

دراسة ( باعتبار أن الأطراف ستكلف مراكز البحث والدراسات والمختبرات … وذلك من موقع حرصها على مصلحة الوطن والمواطنين وعلى أوقاتهم ، كحرصها على الأمن والكهرباء والغاز الطبيعي والماء والأمن السياحي ، الخ ) حتى لا تكون الأمور “مسلوقة سلقا”

السبل( باعتبار أن تلك القوى أمام سبل كثيرة ، وخيارات لا تعد ولا تحصى ، وهي حريصة على ألا تباشر التنفيذ إلا بعد دراسة جدوى تخلص إلى أن السبيل الأنجح والأقل كلفة هو دفع المواطنين إلى انتظار قطار الحل في المحطة التالية من الصراعات الدولية)

الكفيلة ( باعتبار أن السبل ليست كلها كفيلة بنجاح التنفيذ ، والقوى المعنية حريصة على عدم تضييع أوقات المواطنين وعلى أعراضهم ، وحريصة أيضا على عدم تعريض ممتلكاتهم وكراماتهم و حرماتهم ، وحريصة على السياحة والثروة الوطنية والسيادة … وهي تقيس الوقت بميزان الذهب)

بوضع آليات( باعتبار أن القوى المعنية لا تنفذ كيفما اتفق ، أي بطرق غير مدروسة وغير مكفولة ، وهي لا تمضي إلى غاياتها خبط عشواء، لأنها صاحبة بصيرة ورؤيا ، ولأنها ولأنها … لذلك سترسم خارطة طريق …)

لو كانت تلك القوى صادقة في حوارها لقالت ، من غير مماحكة : تنفيذ القرارات السابقة ، هكذا من غير مقدمات.

لكن ، و حتى يكتمل ” النقل بالزعرو” ، دعا البيان ” قادة الفكر والرأي إلى الابتعاد عن حدة الخطاب ” وكان الحري بالبيان أن يغلق أبواب بعبدا في وجه أصحاب الحدة في الخطاب .

ودعا إلى التزام ميثاق شرف للتخاطب السياسي والإعلامي ، وكان الحري به أن يعاقب قليلي التهذيب ممن تحلقوا حول الطاولة ، فيشطب أسماءهم من قائمة المدعوين، وأن يعمم على وسائل الإعلام التعمية على أخبارهم وتصريحاتهم وإخفاء وجوههم وصورهم عن الشاشات وصفحات الجرائد وأصواتهم عن الإذاعات .

باختصار، كان من الضروري أن ينعقد الحوار وأن يصدر بيان ، لكن !

كان من الحري كان أن يصدر البيان عن رئاسة الجمهورية قبل انعقاد الجلسة لا في نهايتها ، ليكون على شكل رسالة توجيهية للحاضرين ، لا على شكل لائحة اتهامية بدا كأن المتحاورين يوجهونها إلى الشعب اللبناني ، الذي بدا مسؤولا ، بحسب البيان ، عن عدم تنفيذ القرارات ، وعن حدة الخطاب السياسي ، وعن انتهاك ميثاق الشرف ، وانتهاك الدستور والطائف ، وعن زج لبنان في المحاور الدولية والإقليمية ، وعن عدم ضبط الحدود ، وعن عدم دعم الجيش … هذا الشعب الذي يستخدم السلاح بدل الحوار ولا يتحلى بالوعي الكافي ، وهو الذي يمنع الجيش من حفظ الأمن على الحدود وداخل الحدود ، وهو الذي يعتدي على القضاء وينتهك حرمة القانون …

… فيما بدا المتحاورون من كل ذلك براء ، إنهم مجرد شهود يراقبون عن كثب كيف ينتهاك  القانون والدستورعلى أيدي عصابات الشعب .

أفففففففففففففففففففففففففف ! آه ، لو كان المعنيون بتنفيذ القرارات السابقة واللاحقة أقل فجورا.