20 أبريل، 2024

خطاب الانتهاكات

14-10-2012

في خطاب السيد حسن نصرالله انتهاكان : انتهاك سيادة الدولة ، وانتهاك العقل العلمي.

انتهاك السيادة لا يأتي فحسب من طائرات وجيوش معادية تخترق الأجواء والأراضي ، بل هو يأتي كذلك من كل عدوان على القانون والدستور . إذ ما من دولة سيدة في العالم تجيز لحزب من أحزابها أن يتدخل في شؤون دولة أخرى ، وما من دولة سيدة في العالم توكل إلى حزب من أحزابها الدفاع عن رعاياها المقيمين على أراضي دولة أخرى.

 الرواية الواردة في الخطاب والمتعلقة بالشيعة اللبنانيين المقيمين في قرى سورية ، على الحدود بين البلدين ،لا تقنع سوى المتعصبين من الشيعية السياسية ، المتحمسين للدفاع عن استبداد النظام السوري ، تسويغا للدفاع عن كل استبداد ، ومنه استبداد المنطق الطائفي المذهبي بعقول اللبنانيين عموما والشيعة على وجه الخصوص.

ما من دولة سيدة تجيز لحزب سياسي أن يوزع السلاح على ” المواطنين ” المقيمين داخل أراضيها، فكيف بالأحرى إذا كانوا مقيمين داخل أراضي دولة أخرى . ففي هذه الحالة يصبح الانتهاك انتهاكين . ولا تجيز له أن يوزع عليهم تمويلا حتى لو كان من ” المال الحلال ” ، إلا تحت سلطة القانون ، ولا أن يحصل على تمويل من خارج سلطة القانون وبغير علم الدولة .

بعيدا عن السجال السياسي مع الخطاب ، ومع كل خطاب مماثل ، وبعيدا عن الانقسام العامودي بين فريقي 8 و14 آذار ، وعن الانقسام اللبناني بين مؤيد للثورة السورية ومؤيد للنظام ، يورد السيد نصرالله هذه الوقائع فخورا بسردها كأنها من الفضائل والانجازات . ربما لأنه غالبا ما يخطئ في استخدام المصطلحات المتعلقة بالدولة : السيادة الوطنية هي بالدرجة الأولى سيادة القانون ، وكل الوقائع التي يتضمنها الخطاب ليست ، من هذه الزاوية ، سوى انتهاك للدستور والقانون؟؟؟

الانتهاك الثاني لا يقل خطورة ، ذلك أن الكلام عن طائرة أيوب هو انتهاك لعقولنا . حصل ذلك أول مرة مع الخطابات النارية للشقيري وأحمد سعيد ثم مع  صواريخ الظافر والناصر والقاهر ، ثم مع صواريخ صدام حسين ، إلى أن فضح رئيس الأركان المصري ، سعد الدين الشاذلي ، من موقعه رئيسا لأركان الجيش العابر لقناة السويس، هالة الوهم المحيطة  بتلك الصواريخ ، وكشف عن الكلفة الباهظة التي توجب دفعها للتخلص من عبئها .

العقل الذي صنع آلة الحرب هو العقل الحر الذي لا يجد ظروفا مؤاتية لينمو إلا في أنظمة سياسية تحترم حرية التفكير وتحترم الرأي الآخر . وإذا كان علينا ألا نقلل من أهمية هذا ” الانجاز” الإيراني ، فعلى أصحابه ألا يضحكوا على عقولنا لأن ثقافة المبتدئين في علم الحروب تشير إلى أنه ليس سوى إنجاز من الجيل الخامس أو العاشر من أجيال آلة الحرب ، وما تصنعه البلدان المتقدمة على هذا الصعيد إنما هو ثمرة تطور ممتد من الكوجيتو الديكارتي حتى آخر المبتكرات الإلكترونية وأجهزة التواصل .

إنه ثمرة تطور ليس فحسب في مجالات الفلك والفيزياء والكيمياء والذرة ، الخ ، بل إن التطور في هذه المجالات ما كان له أن يحصل لولا نقلة هائلة في المجال السياسي شكلت حصانة لحرية الفكر . بهذا المعنى ، يبدو لي من المستحيل على عقل الطيور الأبابيل ، وعقل الاستبداد الذي يقتل الرأي الآخر المختلف ، أن يقدم لشعبه أي أنجاز علمي . وما يعرض علينا على صورة إنجاز ليس سوى تكرار لتجارب أجيال قديمة من الاختراعات محتها وتجاوزتها أجيال جديدة .