13 أكتوبر، 2024

سرقة الأكثرية

30-9-2012

 قال المشاهد لزميله في قاعة السينما: أتراهن ؟ سيصطدم رأس الفارس، خلال عودته، بغصن الشجرة وسيسقط عن ظهر جواده . أجابه : أراهن،  لن يسقط . ومن يخسر الرهان يدفع كذا وكذا . عندما سقط الفارس تهيأ الخاسر ليدفع قيمة الرهان، رفض صديقه قائلا ، أنا أمازحك ، فقد كنت قد حضرت الفيلم ، وأعرف كيف ينتهي المشهد . قال الأول ، عجيب ، وأنا كنت قد حضرته لكنني لم أتوقع أن يكرر الفارس الغلطة ذاتها.

اللبنانيون يشبهون أبطال هذه الحكاية. أهل السياسة يصنعون المشهد ويعرفون نهايته ، وجمهور تنطلي عليه كذبة الانتخابات، ويكرر ثقته بقادة لا يشبهون الفارس إلا بتكرار المشهد ذاته كل أربع سنوات.

الأكثرية التي أنتجتها انتخابات 2005 لم تستطع أن تحكم . حاصرت الأقلية السرايا ولم تقبل بتفكيك المخيم إلا في اتفاق الدوحة .

انتخابات 2009 أنتجت أكثرية لم يسمح لها بالحكم ، وسقطت الحكومة التي شكلتها مع أنها حكومة ” وحدة وطنية” ، وما لبثت أن تحولت إلى أقلية . والأكثرية الجديدة لم تتمكن من تعيين موظف واحد في المراكز الشاغرة من سنوات.

مع ذلك ، يركز فرقاء الصراع السياسي مساعيهم على تأمين الأكثرية في الانتخابات المقبلة ، فيقلبون قوانين الانتخاب على جميع وجوهها بحثا عن القانون الذي يحقق لهم ذلك.

لم يخطر في بال أحد منهم أن المشهد ذاته سيتكرر ، وأن الأكثرية ، أية أكثرية ، لا تستطيع أن تحكم ، بالرغم من كونها أكثرية . لم ينتبه أحد إلى أن الفارس سيصطدم وسيهوي عن جواده.

لم يسأل السياسيون عن العائق الذي يمنع الأكثريات من الحكم. ولم يسأل جمهور الناخبين لماذا تتحول الأكثريات التي يختارها إلى قوى معاقة لا تبغي من حصولها على الأكثرية سوى الإمساك بزمام الأزمة بانتظار الانتخابات التالية.

ولم يسأل أحد لماذا يطلقون الأحكام المبرمة على قوانين الانتخاب و” يمرجحون” بالشعب اللبناني ثم يعودون به ، في كل مرة ، إلى قانون قديم.

العودة إلى قانون الستين كانت ضرورة أملاها خطر انفجار حرب داخلية عندما بلغ هياج الشيعية السياسية ذروته. لكن أحدا لم يتذكر بأن قانون الستين كان أحد أسباب انفجار الحرب الأهلية اللبنانية في عام 1975

يعددون فضائل النسبية ، ثم يسارعون ، بالمماطلة والتسويف والتلاعب بعواطف الدهماء وتأجيج مشاعرهم ، إلى تأجيل اعتمادها ، وإلى استبدالها بقانون آخر ، لمرة واحدة وأخيرة. أليس هذا سوى كذب صريح؟

ما هو أدهى وأمر وأخطر أن يتبارى فرقاء الصراع في إطلاق الأحكام : لا يمكن العودة إلى قانون الستين، النسبية مؤامرة على 14 آذار ، الدائرة الصغرى هي الحل ، الدوائر الفردية هي التي تؤمن التمثيل الصحيح، الدوائر الصغرى تفتت المفتت ، القانون الحالي لا يسمح للمسيحيين بانتخاب نوابهم، كل طائفة تنتخب نوابها ، “قصقص ورق ساويهم ناس”… ولا فهلوي من هؤلاء انتبه إلى أن اتفاق الطائف كلف اللبنانيين عشرات آلاف الضحايا .

إنهم يقامرون بمصير الوطن ، ويدفعون البلاد نحو انفجار جديد .

إو إنهم يعرفون كيف يوصلون البلاد إلى ما قبل الانفجار ليضعوا الشعب اللبناني أمام خيارين : إما الحرب إما الدخول إلى الانتخابات بأي قانون ، والشعب اللبناني لا يريد الحرب. إذن قانون الستين جاهز ليكون البديل لمرة واحدة.

مهما تملصوا وتهربوا وتقلبوا وتلونوا … لا حل للتمثيل السياسي في لبنان إلا باعتماد الوطن كله دائرة واحدة على أساس النسبية.

حتى يتقرر ذلك ، لا بد من احترام اتفاق الطائف