21 نوفمبر، 2024

خطاب الوداع. في تكريم وليد موسى

                                                    في تكريم وليد موسى

غادرنا  كأنه في رحلة , كأنه مسافر .

جمع أحبابه وذويه ، ودعهم  وقال لهم ودعوني .

قال لأطفاله الصغار كعصافير الجنة : اعذروني أنا المسافر

 سأتابعكم  والطفولة تتفتح في أزهاركم

سأراكم في ظلمة  الليل وفي ألق  النهار

أنا الذي لم يعد لدي نهار   ،   سأرى نهاري فيكم

وغدا عندما  تدخلون إلى ربيعكم ستجدونني

 على باب المنزل الذي عمرته لي ولكم ستجدونني

سترون أثر أقدامي على الدرجات

وتسمعون ضحكاتي بين الستائر

ستشمون حنيني إليكم قادما مع كل فجر

سترونني في دفاتركم وعلى صفحات كتبكم

 ستقرأونني حكاية عن آباء يموتون من أجل أطفالهم

لاتقولوا : هذا جناه أبي علي

اعذروني  … أنا كنت أفضل أن أعيش بينكم  ،  معكم  ،  من أجلكم

لست أنا الذي قررت الموت  ، لكن حين أتاني قابلته

بما يليق بكم ، بما يجعلكم تعتزون بي أبا

قابلته  بشجاعة الفرسان

سيحكون لكم أن الموت لم يأتني كعادته غادرا

ولم يطعن من الخلف ، هو أيضا جاءني بقيم الفرسان

نبهني ثم أنذرني  ثم هددني وواجهني  … فواجهته

وقفت في وجهه كأنني أنا الموت ، أنا وليد أبو أحمد ، بكل عنفوان الشباب

جرحته جرحني . أرغمته   أبعدته قلت له :

 أنا الذي أقرر ميعاد موتي

أنا الفتى ابن الأربعين . من بعمري لا يلين ولا يستكين

بعزيمتي أفحمته   أقنعته .

اقنعته أني وفي وأني لا أخلف وعدا وأني وأني  …

وأني  تعلمت الوفاء من إخوتي ، من أهلي الشرفاء

أنا ابن أبي علي ، لا تلمني يا أبي ، وعدته ألا أغادر قبل أن أراكم

قبل أن أضم أطفالي إلى صدري وأحبابي

تركني واثقا بي ، بوعدي ، أنا ابن أبي علي

أنا القوي أنا البهي  أنا الفتي أنا الوفي

وأنا الذي وافيتكم لأضمكم

 وانا الذي استقويت فيكم … اعذروني 

لم يطعني جسدي لأضم أطفالي إلي

لأعانق أبي وأمي وإخوتي   كما عودتهم قبل أن أسافر

سأسافر هذه المرة من غير عناق

 لم يطعني جسدي لأعانق ،  لأصافح المحبين وأشد على اياديهم

خانني جسدي  لكنني شددت على أياديهم

حين قرأت الدموع في عيونهم شددت على أياديهم

لايليق بي  … لا يليق بكم وداع الدموع

لم يطعني جسدي  .

جسدي القادم من أحشاء والدي ، من تراب القرى  ، من سمرتها

من جداول جرجوع وينابيعها ، من شجرها ونهرها ، من عصافيرها

من جنوب الحرمان والقصف والبطولات

جسدي أنا

وأنا الفتي ، أنا القوي ، أنا الأبي ، أنا السخي … أنا ابن أبي علي

لم يطاوعني الجسد ، فهوى

هوى على جبل تشامخ إسمه سينا

سينا الرفيقة والحبيبة ، اعذريني لم يعد وقت لدي ، لم يعد وقت أكافيك

 خذي مني  كل الذي  ادخرته لك من حب وعرفان

هوى جسدي 

هوى وأحمد لم يصدق ما رأى .   وفراشتان صغيرتان تحومان حولي

كارولُ  ، كارن وهُمُ ما تبقى من عبير الروح

كنت واسطة العقد بينكم يا إخوتي ، فاجعلوهم مكاني واسطة العقد

علي طاف بي من أول الكون إلى آخر الكون

علي قائد . ومحمد زرع  في أحشائي وفي عظامي  مثلما وهب الحسن

وبهجت بهجتنا وخيمتنا  وماجد مجدنا

شقيقاتي حمامات ترفرف فوق روحي

كنت واسطة عقدكم يا أحبتي وسأظل , بما تبقى مني, واسطة العقد

جسدي هوى ,  ما هم  فالعمر طويل

وهو يمتد على طول المدى فيكم ، في رحلة الأجيال

في الأصدقاء , في الرفاق من  الطفولة , في تسلق الأشجار والغابات

  في صيد العصافير

في نهارات جرجوع الجميلة في لياليها الأنيسة في القفز على شباك الملاعب , في الكرة الطائرة  ، في النادي  في ملعب النادي ، في اللاعبين في كل ذكرياتي معكم

جسدي هوى ما هم فالعمر طويل  

فهو يمتد فيكم في أطفالي وفي كهولة والديَ

 آه كم أتعبته ، آه كم أضنيتها

عذرا لكم أمي أبي  والعمر الطويل لكم

 جسدي هوى  ما هم والعمر قصير

هو لا يكفي لكي نبحث عن لقمة العيش وعن سر السعادة  

كم قطعنا حدودا وزرنا بلادا كم رسمنا أحلاما على مدى  خيالنا . كم خانتنا  أجسادنا

هوى جسدي فأعدته إليكم ، إلى تراب قريتي  ، فاذكروني

اذكروني من غير دموع ، اذكروني بالحب  والابتسام ، وابعدوا عن نفوسكم الكرب والهم والانقسام ، فمراد النفوس أصغر من أن نتعادى فيه وأن نتفانى ……

  سلامي لكم

                                                       بقلم محمد علي مقلد