2 يونيو، 2025

“الدولة العميقة” لتضييع الحقيقة

جريدة الحرة ـ بيروت

لماذا لم تؤت ثورة 17 تشرين ثمارها عام 2019؟ لماذا خيبت آمال المجتمع المدني نتائج الانتخابات البلدية عام 2025؟ لماذا أعيد انتخاب مجالس بلدية من طينة تلك التي غرقت في الفساد إلى ما فوق آذانها؟ لماذا فشل التغييريون في إزاحة سلطة الفساد المسؤولة عن الانهيار المالي والاقتصادي والمصرفي؟ أسهل الأجوبة على أسئلة كهذه وعلى سواها من الأسئلة المستعصية، هو “الدولة العميقة”. لكنه جواب يضلل أكثر مما يوضح.

ماذا تعني “العميقة”؟ هل هي القديمة في التاريخ؟ في مصر الفرعونية مثلاً أم في شريعة حمورابي أم في الدولة الرومانية أم في لبنان الفينيقي؟ بقاء الدولة قوية وفاعلة في بلجيكا لعامين من الزمن، حتى في غياب الحكومة، لا يفسره مصطلح “الدولة العميقة” بل استمرار حضورها بقوة أجهزتها وبقوة القانون، ولا سيما في جهازها الإداري وسلطتها القضائية.

الدولة في تونس صمدت أمام النيران التي التهمت بوعزيزي، لم يكن ذلك بسبب “عمقها” بل بفضل دور لعبه الجيش في حمايتها من الانهيار وإنقاذ الثورة من سلوك درب الحرب الأهلية. وصول أحد رجال القانون إلى سدة رئاستها كشف بقوة القانون خديعة “التقيّة” في سلوك الإسلام السياسي التي كلفت البلاد عنفاً وبعض الاغتيالات، فيما احتاجت مصر إلى قوة الجيش لفضح الخديعة ذاتها.

الثورة في لبنان لم تندلع ضد الدولة بل من أجل استعادتها. الميليشيات، لا الدولة العميقة، هي التي وقفت في طريق الثورة واعتدت عليها. هراوات ميليشيوية وموتوسيكلات وانتهاك القانون. هنا ينبغي البحث عن الجواب. فماذا عن الانتخابات البلدية؟

طغيان المصالح الحزبية على البرامج التنموية يفرغ صناديق الاقتراع من الديمقراطية ويشحنها بالطائفية والعداء للآخر. تصنيف الآخر سهل. المنافس الحزبي أولاً أو تجتمع الأحزاب كلها لتتفادى احتمالات التغيير. أحزاب الأبد على طريقة نظام الأسد. أمناء عامون ورؤساء لا يحول واحدهم ولا يزول فيصبح التغيير، في حد ذاته، هو المنافس بل الخصم والعدو. هذا ليس شأن الجنوب وحده، ففي كل دائرة انتخابية ثنائي يتعاون أو يتنافس حسب مقتضى الحاجة والمصلحة الحزبية.

حركة التغيير والمعارضة حاضرة مع أن كتلة نوابها ليست بخير. قانون الانتخاب الإقصائي هو مصدر الأزمة. وصندوقة الاقتراع ليست المحل الصالح لممارسة الديمقراطية في ظل معايير عن الأقلية والأكثرية تطغى فيها الأرقام والأعداد على الكفاءات. الخروج من منطق الحرب الأهلية ومنظومة قيمها لا يتحقق بين ليلة وضحاها، والتمرين على الديمقراطية مسار طويل.

الانتخابات في مدينة صيدا نموذج يقتدى به، حيث الأحزاب في الصفوف الخلفية والتيار المدني متماسك وسياسة الإلغاء مستبعدة.

About The Author