3 ديسمبر، 2024

خطاب للتهدئة أم للتصعيد

18-11-2012

تشكل خطب الأمين العام لحزب الله مادة دائمة للسجال السياسي ، بسبب ما تنطوي عليه من إثارة. ولا تسلم خطبه المتكررة من نقد ، أكثره حدة وصراحة ذاك الذي أعلنه سمير جعجع في مؤتمره الصحافي. غير أن العديد من الصحافيين والشخصيات والقوى السياسية تناولوا أفكاره ومواقفه المتعلقة بالحكومة وطريقة تشكيلها واستقالتها وتسمية رئيسها ، أو بطاولة الحوار وتسمية المشاركين فيها، أو بإطلاق الأحكام بحق متهمين وأبرياء وتصنيفهم بين وطني وعميل، أو بمسائل النأي بالنفس عن أزمات والتدخل في أزمات أخرى ، أو بقضية السلاح والستراتيجية الدفاعية والثالوث المقدس ، المقاومة والجيش والشعب ، أو بمسألة التحالفات الخارجية ، لا سيما مع إيران وما يترتب على ذلك من طائرة أيوب إلى المال الحلال والمال الحرام ، الخ.

في خطاباته دعوات كثيرة للتعقل والتهدئة وتأكيد على حرص حزب الله على العيش المشترك والصيغة اللبنانية ، وتطمينات حول تفادي التفجير والحرب الأهلية وعدم الانجرار إلى فتنة شيعية سنية ، الخ. لكن تلقي تلك الخطابات على الضفة الأخرى يشير إلى استنتاجات أخرى معاكسة . ردا عليها وتفنيدا لها ،  تتكاثر الردود السياسية والإعلامية ، في الصحافتين المكتوبة والالكترونية .

نترك للآخرين أن يساجلوا في كل تلك النقاط ، ونكتفي بالإشارة إلى خطر أكيد تنطوي عليه فكرة تلح عليها الخطابات و الممارسات العملية ، ومفادها إصرار على شطب القوى المعتدلة أو الوسطى من المعادلة السياسية في البلاد ، ودفع المواقف السياسية إلى الاصطفاف جبرا بين فريقي الثامن والرابع عشر من آذار.

إنها فكرة خطيرة جدا على السلم الأهلي وعلى مستقبل الوطن ، لأنها تستبطن نزوعا  إلى فرض انقسام عامودي على الشعب اللبناني يشبه ذاك الذي قام بين الحلف والنهج والذي مهد للحرب الأهلية ، أو ذاك الذي قام بين الحركة الوطنية والجبهة اللبنانية وأخذ على عاتقه وضع الحرب الأهلية موضع التنفيذ.

فضلا عن ذلك ، المبرر الذي استند إليه الخطاب للقول بعدم وجود قوى محايدة  ليس واهيا فحسب، بل ينمّ عن تصميم متعمد على تعطيل أي احتمال للتسوية. فقد ورد في الخطاب ، في إطار الكلام على تشكيل حكومة حيادية ،أن القوى الحيادية غير موجودة في لبنان لأن اللبنانيين مسيّسون ، والمسيّس بهذا المعيار ينبغي أن يكون تابعا لأحد الفريقين الآذاريين.

الترجمة العملية لشطب قوى الاعتدال لا تستقيم إلا بشطب كل تسوية محتملة ، ولا يترتب على ذلك إلا التحضير لحرب بين الفريقين ترتسم خطوط تماسها شيئا فشيئا بين المناطق وداخل كل منطقة ، وتستحضر أدواتها عدة ورجالا على غرار ما حصل بين التبانة وجبل محسن في طرابلس ، أو بين صيدا وحارة صيدا ، أو بين الضاحية وبيروت ، الخ .

عملية الشطب هذه ليست جديدة على الشيعية السياسية،التي استخدمت كل أساليب الزجر والترغيب والترهيب ، وجندت المروجين ، وشحنت النفوس ، وهددت المخالفين بالويل والثبور وعظائم الأمور ، ورمتهم بكل التهم بما في ذلك تهمة العمالة للصهيونية ودول الخليج والإمبريالية أو الشيطان الأكبر. حصل ذلك حتى خلال الحملات الانتخابية ( التي يفترض أن تعبر عن أجواء الديمقراطية ) والتي تحولت إلى استفتاء على الطاعة والولاء تحت طائلة التخوين.

البحث عن تسوية لا يتطلب فحسب الموافقة على وجود قوى معتدلة بل السعي إلى إيجادها ، أي إلى إيجاد منطقة وسطى يمكن أن يلتقي المختلفون فيها . بغير ذلك يصبح  الحرص المزعوم على السلم الأهلي ذرا للرماد في العيون. ربما كانت تلك الحاجة ملحة لحزب الله قبل سواه ، لأن من اختبر الحرب الأهلية يعرف أن المنخرطين فيها كلهم خاسرون ، وأن احتمالات توظيفها لصالح قوى خارجية ، كما حصل في الماضي ، ليس سوى وهم ، في ظل تهاوي النظام السوري وصعوبات النظام الإيراني.

بالخلاصة ، حصانة حزب الله وسلاحه ومقاومته هي الشعب اللبناني ، وحده دون سواه،  وعليه أن يضع نفسه على سكة الحل والتسوية ، حيث لم يعد يجدي خطاب التصعيد .