22 نوفمبر، 2024

من مآثر موسى الصدر

6 تشرين الثاني 2021

https://www.nidaalwatan.com/article/61324-%D9%85%D9%86

حكمت قصير المغترب اللبناني في السنغال، قرر أن يمضي مرحلة تقاعده في منطقة المشرف شرق الدامور. الطابق السفلي من دارته مستودع لأرشيف هائل من الأوراق موضبة ومرصوفة بعناية، لم يكن يتسع وقته للإشراف على نشرها لأنه كان يتابع دراسات في الجامعة اليسوعية في صفوف مخصصة للمتقاعدين. استمعنا إليه بشغف ومتعة على مدى ساعتين وهو يروي لنا حكايات شيقة عن مغامرات اللبنانيين الناجحة في عالم الاغتراب، كان من بينها بعض من مآثر موسى الصدر.

حكمت قصير لم يكن المغترب الأول في السنغال. هو ورث عن أبيه هناك مؤسسات ومالاً وجاهاً ونفوذاً، حتى إذا جاء موعد استقلال البلاد عن فرنسا، أتاه المرشح “المسلم” لرئاسة الجمهورية، وأكثر من نصف السكان مسلمون، طالباً منه التوسط للوقوف على خاطر مفتي البلاد وأخذ بركته. رحب المفتي بضيفه واعتذر منه، فقد سبق له أن التزم بتأييد مرشح آخر هو “المسيحي” الشاعر ليوبولد سيدور سنغور، أول رئيس لجمهورية السنغال، الذي أعيد انتخابه لكنه استقال في منتصف ولايته من أجل حماية الديموقراطية الفتية في بلاده.

العبرة من هذه الحكاية، على ما قال حكمت قصير، هي أن التنوع الديني لم يستخدم في تلك البلاد مطية لتخريب الوحدة الوطنية، وأن التداول بمصطلحات لبنانية عن الميثاقية والشرعية والشراكة والتعايش الإسلامي المسيحي وعن حقوق الطوائف ليس إلا بدعة لغوية يتسلق عليها لصوص الهيكل.

كان موسى الصدر يعرف الكثير عن مكانة حكمت قصير في بلاد الاغتراب وعن سمعته بين المغتربين والسفراء العرب هناك، فطلب منه ذات مرة أن يؤمن له موعداً للقاء الرئيس جمال عبد الناصر في القاهرة. حصل الاتصال مع السفير المصري ثم مع وزير الإعلام في الحكومة المصرية، ربما هو محمد فايد؟ لم يكن ذلك بالأمر المتيسر لأن المخابرات المصرية قدمت تقريراً عن التباسات في أصول موسى الصدر الإيرانية وعلاقته بحكومة الشاه. تم تذليل تلك العقبات بعد اتصالات وزيارات متكررة إلى مصر وتم تحديد الموعد.

تمنى موسى الصدر على حكمت قصير أن يلتقيه في باريس لأمر هام، وهي فرصة سيغتنمها الأخير لتبشيره بموعد زيارته إلى القاهرة. حين التقيا طلب موسى الصدر أن يتناولا طعام العشاء في المطعم الفرنسي الذي تم فيه اغتيال المناضل المغربي المهدي بن بركة، وطلب أن يجلسا على الطاولة ذاتها التي جلس عليها المهدي. لم يعرف حكمت قصير الحكمة من هذا الطلب ولم يجد متسعاً من الوقت للسؤال عن خلفيات تلك الرغبة ولا ليعلمه بتحديد الموعد، لأن السيد موسى فاجأه بطلب إلغاء الموعد مع عبد الناصر.

اعتذر الصدر لأن أصداء سلبية بلغته من أوساط كميل شمعون تهدد باستقباله على المطار بالبيض والبندورة حين عودته من مصر. ثم أضاف قائلاً إن لقاء عبد الناصر مهم بالنسبة لي لكن الأهم هو الحفاظ على الوحدة الوطنية اللبنانية. بعد هدوء العاصفة عاود حكمت قصير المحاولة وتم لقاء الرجلين بمناسبة انعقاد مؤتمر التضامن الأفرو آسيوي.

أما العبرة من هذه الحكاية فهي برسم مستدرجي الخارج والمتعلقين بأذياله عموماً، وبرسم الشيعية السياسية على وجه الخصوص.