8 تشرين الأول 2022
هذه المقالة معدة للنقاش مع أهل القطاع المصرفي وجمعيات المصارف والصناعيين والتجار، وكذلك مع المدافعين عنه ومع مهاجميه على حد سواء. أستثني منهم انتفاضة المودعين المشغولة بالتعبير عن الوجع المالي وبتفادي جحيم السلطة الموعود وبالبحث عن الخلاص الفردي أكثر من انشغالها بنقاش هذه الأمور، على أهمية النقاش.
جمعية المصارف أصدرت بياناً على شكل مقابلة أجابت فيه على تساؤلات اللبنانيين، ورمت على عاتق «الدولة»، وهي تعني السلطة، وزر الأزمة المالية النقدية الاقتصادية، وهي ليست المرة الأولى التي تطلق فيها صرختها. لكن بيانها بدا كأنه صادر عن حزب سياسي لا عن جهة مصرفية، فهو شخّص المشكلة ونبّه من مخاطرها ولم يقدم حلاً غير الإدانة.
صحيح أن السلطة (ويقال الدولة عن جهل بالمصطلحات) مسؤولة عن الانهيار لأن مآل الفساد السياسي المالي الإداري هو هذا الجحيم الموعود. غير أن حصة القطاع المصرفي من المسؤولية السياسية، لا المالية فحسب، لا تقل عن حصة السلطة، لأن المصارف هي التي كانت تموّل الفساد منذ الاستقلال، ولا سيما بعد اتفاق الطائف. وقد بدأت هذه الظاهرة تتفاقم وتكبر مثل كرة الثلج بعد اغتيال الحريري إلى أن بلغت حد الانفجار. نترك مسؤولية القطاع المصرفي عن الجانب المالي من الأزمة لنقاش أهل الاختصاص، ونتوقف عند حصتها من المسؤولية السياسية.
في ربيع 2012 أطلقت الجمعية ذاتها صرخة مماثلة في وجه (الدولة) بعد أخرى كانت قد أطلقتها غرفة التجارة، تنبهان فيهما إلى وضع اقتصادي خطير وتنذران من انهيار محتم. بعد تسع سنوات وقع الانهيار وما زال القطاع المصرفي يكرر التوصيف ذاته وتشخيص أعراض المرض وينبه من الانفجار ولا يعمل على تفاديه.
الطبيعي في بلدان الاقتصاد الحر أن يتولى إدارة السلطة السياسية ممثلون عن قطاعات الإنتاج، وأن يقوم التنافس الديمقراطي في الانتخابات بين ممثلي رأس المال والعمل، لكن النظام اللبناني أنتج صيغة غير طبيعية. تحت عنوان استلهمناه من كتاب اغتيال الدولة للشاعر محمد عبد الله، قلنا لأهل رأس المال «صرختان لا تنقذان وطناً»، ونبهناهم إلى خطورة تسليمهم مقادير الإدارة السياسية للفاسدين، ووجهنا إليهم السؤال التهمة «أما آن أن يتوقف أهل الاقتصاد عن تمويل سياسيين لا يمثلون سوى مصالحهم الشخصية أو الحزبية؟».
لم يعد مجدياً أن يرفع الاقتصاديون استغاثات أو يطلقوا صرخات أو يوجهوا تحذيرات، لأن إمعانهم في تسليم إدارة الثروة الوطنية البشرية والمالية إلى غير منتجيها، يجعل هؤلاء يتصرفون بها كمقامرين أو كوارثين مصابين بالعقوق. في مقالة بعنوان «اقتصاديو لبنان جبناء» حفزناهم على دحض اتهام ماركس لرأس المال بالجبن وطالبناهم بانتفاضة على ميليشيات اغتصبت السلطة وتعمل على تدمير مؤسسات الدولة.
إستمرت القوى والهيئات المصرفية تحصر اهتماماتها بالشؤون المالية والاقتصادية، متخلية عن إدارة شؤون الدولة لصالح قوى متحدرة من السلالات والعائلات و»البيوتات» أو من أحزاب الاستبداد القومي والديني، أي من أنساب معادية للحداثة ولا تحترم الدساتير وليس من أولوياتها بناء دولة القانون والمؤسسات ولا بناء الأوطان، إلى أن أمسكت الميليشيات، بمساعدة نظام الوصاية، لا برقاب السلطة السياسية وحسب، بل برقبة القطاع الخاص ولا سيما منه القطاع المصرفي وجعلته طوع بنانها.
أخطأت البرجوازية بقيادة رفيق الحريري لأنها وضعت كل بيض القضايا الكبرى منها والصغرى في سلة نظام الوصاية ووكلائه المحليين من الميليشيات؛ ولم تستنتج بعد اغتياله أن مصدر الخطر على الاقتصاد الحر ليس الشيوعية بل النهج الميليشيوي في إدارة الحكم، وتمادت في تمويل الفساد، حتى أن بعض ممثليها كانوا يتسابقون على الترشح ضمن اللوائح الميليشيوية في الانتخابات النيابية ويمولونها، ولم تنتبه إلى أن انفجار الأزمة سيصيب الدولة والقطاعين العام والخاص بما في ذلك المصرفي، إلا بعد فوات الأوان.
أما آن للرأسمالية اللبنانية أن تتيقن، وهي على أبواب استحقاق رئاسي، من أن العقل الميليشيوي لا يحسن إدارة الاقتصاد الحر ولا يحتاج إلى سلاح ناري لتخريبه؟ يكفيه للتخريب انتهاك الدستور والقوانين لينطبق عليه القول «الفاجر يأكل مال التاجر».
مقالات ذات صلة
هل يكتب التاريخ الحديث بمصطلحات طائفية؟
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله