23 نوفمبر، 2024

الثورة أسيرة شعاراتها

23 كانون الأول 2019

https://www.nidaalwatan.com/article/11570

من فضائل الثورة ونجاحاتها أنها تمكنت من تجميع كل المطالب الشعبية بما فيها المطالب الشخصية جداً، وتبنتها واستخرجت منها، بمهارة مدهشة وبإجماع كل مكوناتها، برنامجاً للحل لا يقوم على المحاصصة: إستقالة الحكومة وتشكيل أخرى موثوقة بصلاحيات استثنائية، من أشخاص لم تتلوث أسماؤها بالفساد ولا بالانتماء إلى منظومة الفساد، من مهماتها استعادة الأموال المنهوبة وتحقيق استقلالية القضاء والإشراف على تنظيم انتخابات مبكرة على أساس قانون انتخابي جديد، ووضع أسس سليمة لمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية وما نجم عنها من مشكلات اجتماعية وبيئية.

سلة واحدة من المطالب مفتوحة على أية أضافة، وبرنامج واحد، لكن الشعارات تعددت وتنوعت بتنوع زوايا النظر والإيديولوجيات والتجارب الشخصية والحزبية، ولم تنتظم، كما المطالب والبرنامج، داخل وحدة واحدة، بل اختارت علاقة هي أقرب إلى المساكنة، سرعان ما يخرج الاختلاف بينها إلى العلن عند المنعطفات، ويهدد بالتحول إلى خلاف وافتراق، خصوصاً حين يحصل خلط بين الشعار والبرنامج. من بين هذه الشعارات، الشعب يريد إسقاط النظام، كلهم يعني كلهم (كلّن يعني كلّن)، لا للنظام الطائفي، طلعت ريحتكم، بدنا نحاسب، وغيرها الكثير.

في كل شعار إيقاعات دلالية وسمعية جذابة، لكن معظم الشعارات لا تخلو من التباس قد يهدد وحدة الموقف بين المكونات السياسية والحزبية والمدنية للثورة وينذر بتصدعها، حين يتحول إلى بند في برنامج الحل. من أبرز الالتباسات ما يتعلق بعمر الأزمة، إذ تتردد عبارة “الثلاثين عاماً” التي تعني، في نظر من يستخدمها، تماهياً وتزامناً بين أزمة النظام السياسي وبروز ظاهرة الحريرية بما هي مشروع مالي اقتصادي. خطورة الالتباس في “الثلاثين عاماً” أنها تضيع البوصلة لأنها تشوش التشخيص وتسدد خارج المرمى. برنامج الثورة أكثر دقة من شعاراتها. يظهر من بنوده أن الأزمة ليست أزمة النظام بقدر ما هي أزمة أهل النظام، ومن هذه الزاوية يبدو شعار “الشعب يريد تطبيق النظام” أكثر مطابقة للواقع اللبناني من شعار الثورات العربية “الشعب يريد إسقاط النظام”. الأزمة إذن أزمة إلغاء الدولة وتعطيل الدستور والقوانين، خلال مرحلة تمتد على ثلاثين عاماً وهذا صحيح، لكن خلال فترتين فيها مختلفتين اختلافاً جوهرياً تناوب فيهما على ارتكاب فعل التعطيل في الفترة الأولى النظام الأمني اللبناني السوري، فيما تولى المهمة في الثانية نهج ميليشيوي متحرر من كل أنواع الرقابة (الميليشيا هي بالتعريف قوة تنشط خارج القانون وخلافاً للقانون). في الفترة الأولى أطلقت يد الحريرية في عملية إعادة بناء البنية التحتية بكلفة ومديونية عاليتين، واحتفظ نظام الوصاية بحق الاشراف على إدارة شؤون الدولة والسياسة، أما في الثانية فقد تولت الميليشيات بنفسها المهمتين معاً، فقامت بتهديم ما جرى بناؤه، ولا سيما في قطاع الكهرباء، وبنهب صريح وسافر للثروة الوطنية، وبتخريب ممنهج للدولة ومؤسساتها.

في صياغة الشعار بلاغة واختصار للكلام، لكن فيها اختزالاً يفضي إلى غموض المعنى. هكذا فإن شعار “الثلاثون عاماً” يبرئ حكم الوصاية من مسؤوليته، في الفترة الأولى، عن تدمير مؤسسات الدولة، ويخفف الحكم على حكم الميليشيات المبرم في الفترة الثانية.

الأمر ذاته ينطبق على شعارات أخرى مثل “كلّن يعني كلّن” و “إسقاط النظام الطائفي” وسواهما التي تبدو صحيحة في الظاهر، لكنها تنطوي على مخاطر تهدد وحدة الثورة.

أيها الثوار، لا تجعلوا من شعاراتكم بنوداً في برنامج الحل، فبرنامج الثورة المعلن هو الأكثر بلاغة والأكثر قدرة على جمع الشمل ووحدة الصف.