22 نوفمبر، 2024

إذا الشيعية السياسية هي المشكلة فالمارونية السياسية ليست الحل!

21 كانون الثاني 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/139933

صديق قيادي في حركة «أمل» كتب على صفحته في وسائل التواصل، «سليمان فرنجية هو المرشح الفعلي الوحيد لرئاسة الجمهورية وكل الأسماء الأخرى مجرد محاولات لقطع الطريق عليه». استفزّني هذا الكلام وأعادني ثلاثين عاماً إلى الوراء يوم التقيت، بمناسبة ثقافية في زغرتا، على مائدة النائب قيصر معوض، وأنا أمثل المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، مع عدد من السياسيين من بينهم «المرشح الفعلي الوحيد».

قادني تهوري يومذاك، دفاعاً عمّا أمثل، إلى تجاوز حد اللياقة منتقداً، من غير انتباه إلى وجوده بيننا، قوانين الانتخاب التي لا تشترط مستوى علمياً أو ثقافياً أو أكاديمياً للنائب. لفتني أحدهم إلى ما زل به لساني أمامه، فرحت أستر التهور بكلام دبلوماسي عن مدرسة الحياة التي قد تكون أغنى دروساً من كل الشهادات الأكاديمية.

قلت لصديقي إنّ موقفي هذا لم يتبدل. لبنان لا يحتاج اليوم إلى الأكثر تمثيلاً بين الموارنة ولا إلى الأكثر طواعية في جبهة الممانعة، ولا سيما أننا نكتوي بنار عهد أشعلها جامع المجد من طرفيه تمثيلاً طائفياً وطواعية تجاوزت حدّ الإذعان.

وأضاف صديقي كاتباً «ماذا لو عقدت جلستان نيابيتان وحصل فرنجية على خمسة وستين صوتاً، فماذا سيكون موقفهم من الديمقراطية؟ هل سيرفض جبران باسيل النتيجة؟ هل سيبحث سمير جعجع عن صيغة جديدة للبنان؟». أقل ما يقال فيها إنّها أسئلة استطلاع بالنار الطائفية.

التزاماً مني بمبدأ «المجالس بالأمانات»، ما كنت لأنشر هذا الكلام لو لم يتول صاحبه نشره بخط يده، فقد شعرت من خلاله بخطورة ما يتمنى الثنائي الشيعي حصوله أو ما يخطط له، وتذكرت دور نظام الوصاية في ولادة الشيعية السياسية ونشأتها ولائحة رغباتها التي بدأت بالمطالبة بوزارة المالية ورئاسة الجامعة اللبنانية ولم تنته بآخر موظف في دائرة رسمية أو في مؤسسة خاصة، مستخدمة الأسلوب ذاته، بالضغط أو الابتزاز أو التسويف، على امتداد العقود الثلاثة الماضية، حتى باتت كل مؤسسات الدولة المالية والقضائية والأمنية في متناول سطوتها.

منذ أول انتخابات نظّمتها رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية عام 93-94 وحتى انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2022، الأسلوب ذاته لتطويع المشاكسين، استخدام فائض القوة العسكري وتوظيف موقع رئاسة البرلمان في دور الحكم المنحاز، الساعي إلى كسب الوقت بالتأجيل أو بحوار طرشان عقيم، إلى أن تلين المواقف المعترضة وتذعن، تارة بانتشار القمصان السود وأخرى باحتلال وسط العاصمة وثالثة بإقفال المجلس النيابي ورابعة بتعطيل جلسات الانتخاب، وكلّ ذلك في إطار اجتهادات فقهية عن الميثاقية والشرعية والدستورية والنصاب القانوني.

إن كان هذا ما تفكر به الشيعية السياسية اليوم، فمن حق الآخرين أن يتوجسوا من تكرار السيناريو ذاته الذي انتهى مرة بتعديل دستوري غير مكتوب في الدوحة وأخرى بالتهديد بميشال عون رئيساً أو على الرئاسة السلام. أظنّ يا صديقي أنه كان عليك أن تسأل عن الديمقراطية في هاتين المرتين أيضاً.

أخطر ما في التوجّس بعثه جمر المارونية السياسية من تحت الرماد ودفعته القيادات المسيحية الكنسية والعلمانية على حد سواء إلى استجداء المساعدة من الخارج ونفض الغبار عن مشاريع التقسيم والفدرالية.

جازفت «بسمعتي» العلمانية حين أشدت مرة بخطبة المطران بولس عبد الساتر، وأكثر من مرة بعظات غبطة البطرك بشارة الراعي، حتى أنني اقترحت أحدهما مرشحاً لرئاسة الجمهورية كحل مثالي لمشكلة التمثيل الماروني، ولم أندم على اقتراحي ولا على انحيازي لرجال دين يدافعون عن الدستور في مواجهة حكام مدنيين ينتهكونه.

أمّا حين يتحول مجلس المطارنة، هو الآخر، إلى اختصاصيّ في التشريع الدستوري والاستشارات القانونية فهذا ما ينذر بأسوأ العواقب لا على دور الكنيسة البنّاء وحده بل على مستقبل الوطن برمته.