21 نوفمبر، 2024

1 آذار 2023

https://www.nidaalwatan.com/article/150443

المقصود كل الأطراف المعنية بشأن الأزمة المالية. المودعون أولاً على حق إن شكَوْا حتى لو استخدموا القوة خلافاً للقانون لتحصيل ودائعهم، والمواطنون حتى لو كسروا واجهات المصارف وأحرقوا الإطارات وقطعوا الطرقات. فقد قيل عجبت لمن لا يجد في بيته قوت عياله كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه. هذا إذا كان الأمر يتعلق بجوع الناس، فكيف إذا صارت قضية حياة أو موت على أبواب المستشفيات.

جمعية المصارف على حق إن أعلنت الإضراب مفتوحاً أو تحذيرياً ليوم أو يومين أو أكثر احتجاجاً على تعسف السلطة القضائية؛ والمصارف إن امتنعت عن تسديد الودائع لأصحاب الحقوق لأنّ مجرد التفكير بالاستجابة لمطالبهم لا يعني سوى نعي الحقوق ونعي القطاع المصرفي وإعلان إفلاس الدولة والمصارف.

أجهزة الرقابة على حق إن هي اشتبهت بموظفين في الإدارة العامة وأحالتهم إلى القضاء لأنّ عيون هذه الأجهزة لا ترى في المراقبة والمحاسبة أبعد من الفساد الإداري.

وسائل الإعلام على حق إن هي كشفت تلاعب التجار بأسعار السلع أو تهربهم من دفع الرسوم أو تواطؤ الجمارك معهم في المطار والمرفأ، أو رصدت أرتال الشاحنات والصهاريج على المعابر غير الشرعية، وتعقّبت صرافين يزاولون عملهم على الطرقات خلافاً للقانون.

نادي القضاة على حق إن رفع الصوت احتجاجاً، والنقابات إن أعلنت الإضراب، وقطاع التعليم إن أحجم المعلمون عن الذهاب إلى مدارسهم، ومجموعات الثورة إن قطعت الطرقات وأحرقت الدواليب ونصبت الخيم في الساحات.

حتى رئيس حكومة تصريف الأعمال على حق في قراره منع الضابطة العدلية من تنفيذ قرارات القاضية غادة عون. ربما كان هذا هو القرار الوحيد الصح الصادر عن السلطة التنفيذية في هذا الشأن منذ تفجر الأزمة.

لكنهم جميعاً يخطئون لأن أوجاعهم لا تشفى بالصراخ ولأنّ ماءهم لا يصب في مجرى الثورة. ما من فساد في القطاع العام أو في المصارف أو في المصرف المركزي أو في القضاء إلا وله جذور في السلطة السياسية. هي ليست فحسب مصدر الأزمة بكل جوانبها المالية والنقدية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإدارية والقضائية، بل هي العائق والمعرقل والموصد أبواب كل الحلول الممكنة، هي مكمن الأزمة وسبب المرض وبيدها مفاتيح الحل.

القطاع المصرفي مسؤول لأنّه ارتضى دفع خوة للميليشيات وقبلها لممثلي الإقطاع السياسي، متخلياً لا عن دور طبيعي لرأس المال في إدارة الشأن العام فحسب، بل حتى عن إدارة الشأن المالي بالذات، فانصاع لقرارات السلطة في تمويل التهريب والهدر والفساد، حتى إذا استفاق واستدرك اكتشف أنّه وقع هو الآخر ضحية الفساد، وهو لا يملك غير الصراخ وبات يخوض معركته وهو منزوع السلاح.

الإصلاح السياسي مفتاح كل الحلول، ومبتداه انتخاب رئيس للجمهورية. كل شيء ما عدا الدستور باطل وكل صراخ لا يصم آذان المجلس النيابي بلا صدى. لا جدوى من ظلامة المودعين وجوع الجائعين وأنين المرضى وشكوى طلاب العلم المهددين بمستقبلهم، ولا من الدواليب المحروقة والطرقات المقطوعة، ولا من تحطيم واجهات المصارف، ولا من إضرابات القضاة والعمال والموظفين إن لم تكن كلها مصوبة نحو من ينتهك الدستور ويعطل انتخابات الرئاسة.

ربما بات محتماً أن يستعاد زخم الثورة رداً على تعطيل الانتخابات، بابتكار أشكال جديدة من المواجهة مع سلطة الفساد والإفساد، من بينها العصيان المدني والنزول إلى الساحات تضامناً مع المعارضة النيابية وخصوصاً مع اعتصام نائبي التغيير في البرلمان، وإلا فانتهاك الدستور هو أرحم عقوبة يمكن أن يمنى بها الشعب اللبناني والوطن والدولة.