12 آب 2023
هذه المقالة محاولة للإجابة على سؤال طرحه الصديق أيمن جزيني في مقالة له في النشرة الإلكترونية، السياسة. ماذا إذا ذوى دور الكنيسة وخرجت من السياسة؟
قيل عن البطرك الياس الحويك أنه صنع لبنان. آخر عبارة نطق بها البطرك أنطوان عريضة قبل موته، فليحفظ الله لبنان. البطرك بولس المعوشي أطلق عليه الساسة الموارنة اسم محمد المعوشي ولقب ببطرك الدروز. البطرك أنطوان خريش التقيته يوم كنت في عداد وفد من قريتي المختلطة جرجوع وسمعت منه توبيخاً على استخدامنا لغة طائفية في عرض مطالبنا، ودعانا إلى التمسك بالوحدة الوطنية ليبقى لبنان. البطرك صفير كان عن حق بطرك لبنان لا الموارنة وحدهم. البطرك الراعي يتحدث الدستور كأنه الإنجيل الوطني، فيما سياسيو لبنان، بانتهاكهم الدستور ينتهكون كل القيم الدينية.
البطركية المارونية آزرت قيام وطن أرادته متنوعاً متعدداً بطوائفه وموحداً بدستوره وقوانينه العلمانية. ومنحته إسم جباله التي يحيل تاريخها إلى ما قبل الدعوة الإسلامية بعهود طويلة، فصار الإسم مطية المتعصبين من الساسة المسيحيين والجهلة من الساسة المسلمين لتوهين الوحدة الوطنية الفتية.
الوطن المستحدث هو الجبل بداهة، والخلاف نشب على ما يمكن ضمه إليه ليصير قابلاً للحياة. الأقضية الأربعة أم بعضها أم أجزاء منها. تلك كانت نقيصة الوطن الأولى التي بدا معها سكان المناطق المستلحقة بالجبل مواطنين من الدرجة الثانية.
لم يكن ذلك نتيجة خطأ بطركي بل نتيجة خطيئة ارتكبها ممثلو المارونية السياسية الكنسيون والعلمانيون الذين لم يمارسوا سلطاتهم على الموجة البطركية ذاتها الحريصة على انصهار وطني لا يضير أي طائفة فيه، على رأي ميشال شيحا كاتب الدستور اللبناني، إن لم تتمثل في الحكومة، ولا يضير الطوائف الكبرى إن لم تتمثل بأحجامها. أين من هذا الكلام حديث سياسيي آخر زمن عن ميثاقية الحكومات وشرعيتها ودستوريتها وعن العيش المشترك؟
أول عزف خارج اللحن البطركي أتى من إميل إده رئيس الجمهورية الذي تحفظ على المساحات المقترح ضمها إلى الجبل. جاءت تحفظاته لتسكب زيتاً على نار شكوك كانت قد ساورت أهل الأقضية المضمومة لأسباب شتى، من بينها خلط المسلمين فيها بين الدين والدولة وخلط الحركة القومية بين الدولة والأمة ورغبة الشطار والقبضايات والخواجات وصغار الإقطاعيين في استمرار قبضاتهم محكمة على الأرض وعلى الفلاحين، إذ لم تكن قد دخلت إلى أراضيهم بذور التحولات الرأسمالية التي كان قد شهدها الجبل.
عزف النشاز الثاني أتى من رئيس آخر للجمهورية عندما مال كميل شمعون إلى حلف بغداد خوفاً من عروبة زاحفة بقيادة عبد الناصر. ولم تمر الحادثة بسلام بل فجرت النسخة الأولى من الحرب الأهلية.
ما أن أطفئت نار تلك الحرب حتى انبرى الحلف الثلاثي، ريمون إده وكميل شمعون وبيار الجميل، في مواجهة الشهابية المتهمة بالانتقاص من دور المسيحيين ومن موقعهم في السلطة السياسية. كشف الحلف، بموقفه هذا، الرماد عن جمر أجواء مشحونة أصلاً وزادتها توتراً تبعات هزيمة حزيران وتداعيات الظهور الفلسطيني المسلح، فبدت الطريق معبدة نحو انفجار 13 نيسان.
للحرب الأهلية حيز خاص لأن المسؤولية فيها تتوزع على الجميع، حتى المتفرجين. في نهايتها انبعثت المارونية السياسية في أبشع صورها إذ تحولت رئاسة الجمهورية في عهد إميل لحود إلى جزء من جبهة الممانعة وفي عهد ميشال عون إلى أداة لتقويض سلطة الدولة والقضاء على الجمهورية وعلى النظام البرلماني الديمقراطي.
التعصب خطر على الوطن وعلى الطائفة. هل تتعظ الشيعية السياسية من المارونية السياسية؟
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان