24 نوفمبر، 2024

الثورة والقضاء

في لقاء مع الرئيس رفيق الحريري في القصر الحكومي، مع وفد من منتدى الفكر والثقافة، وفي إطار نقاشنا قضايا الإصلاح في الدولة، قلت له، وهذا موثّق في كتابي “اغتيال الدولة”: نراكم، مراراً وتكراراً، كلما حاولتم أن تعالجوا أمور الفساد تطرحون مسألة الفساد الإداري، في حين أن الإصلاح في كل شيء، في السياسة وفي الادارة وفي الاقتصاد وفي الجامعة اللبنانية (كل الحاضرين في ذلك اللقاء كانوا أساتذة جامعيين)،وفي سائر الميادين، يبدأ بالإصلاح السياسي، وبقانون الانتخاب، على نحو خاص. ولا شك أنك تعلم يا دولة الرئيس أن الرشاوى التي يمكن أن يتقاضاها كل موظفي الدولة على مدار العام لا تساوي صفقة من الصفقات المالية التي يبرمها السياسيون، وبإمكاني أن أقدم لك أمثلة على ذلك. قال : وفر على نفسك، أعرف أعرف.
لم أكن أملك، في ذلك الوقت، أمثلة ولا أدلة كافية على فساد السياسيين، لكنني كسائر اللبنانيين، كنا نتداول الإشاعات أو ما يشبهها حول صفقات أو حول إنفاق حكومي يشبه الهدر، من نماذجه الاهتمام بشبكات توزيع الكهرباء وتبديل أعمدة لا تحتاج إلى تبديل، من دون زيادة في إنتاج الطاقة، وبناء صروح تعليمية ضخمة تفيض عن حاجة القطاع، إذ أن بعضها مازال مقفلاً بعد أكثر من عشرين عاماً على تشييده.
لم يخلُ برنامج حكومي من بند يتعلق بمعالجة الفساد. واستمرت عمليات “التطهير” الإداري من أيام الرئيس شارل حلو قبل الحرب إلى عهد الرئيس الهراوي بعد الحرب. إلى أن جاءت ثورة السابع عشر من تشرين في لبنان لتقول الكلمة الفصل: الفساد السياسي هو أصل الفساد، والسلطة السياسية هي المسؤولة عما وصلت إليه البلاد من انهيار مالي واقتصادي وأخلاقي، وما حصة السلطة المالية أو الأجهزة الإدارية من تلك المسؤولية إلا ما تحددها وتجيزها وتشرع لها السلطة السياسية. ولذلك فإن التصويب على غير السلطة السياسية هو من باب التغطية على انتهاكها المتمادي لأحكام الدستور وعلى نهبها السافر للمال العام واستخدامها المفرط للسلطة. فكيف إذا كانت السلطة القضائية هي التي تلعب دور التغطية هذا؟
إذا كان من واجب الثورة التضامن مع القضاء لتحصينه وحمايته من تدخل السلطة السياسية، فالسلطة القضائية أولى من أهل الثورة في حماية استقلال القضاء. في هذا السياق وحده يصبح السؤال مشروعاً عن المستفيد من بعض قرارات القضاء ومن بينها قرارات القاضية غادة عون، هل هو السلطة القضائية أم السلطة السياسية؟