2 أبريل، 2025

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=863075
  
الحوار المتمدن-العدد: 8296 – 2025 / 3 / 29 – 00:15

لا يهمني، من موقعي كيساري معارض، الإسم الذي تم اختياره لحاكمية مصرف لبنان. ما يهمني طريقة اختياره. لا أنا من أهل الحكم ولا ممن يرون النصف الفارغ من الكأس فحسب. ولأن اليسار بات باهتاً وتعريفه بات ملتبساً ثابرت على إعادة رسم ملامحه وتحديد مواصفاته وتوصلت إلى أن على كل مجتمع أن يبتكر يساره، بعد أن دخل حابل اليمين بنابل اليسار في العالم وتجاوزت البشرية الصيغة الأولى الفرنسية والصيغة الثانية السوفياتية ومشتقاتها اللينينية والماوية والكومنترنية والأممية.
الحد الذي يفصلنا، في لبنان، عن الصيغ القديمة هو اتفاق الطائف. ما قبله ينبغي أن يتحول إلى دروس من التاريخ. يمكن لليمين كما لليسار أن يكتب كل منهما أمجاده ويتغنى بإنجازاته. فضل الطائف أنه دعا المتحاربين إلى رمي سلاحهم وتبديل لباسهم وعقلهم الميلشيوي والاحتكام إلى القانون.
اليسار القديم بنى مشروعه على فكرة العدالة فتمثل له الاقتصاد الحر عدواً غير سوي. الحرب الأهلية قلبت كل المقاييس، إذ بينت للبناني أن الخطر الأساس عليه وعلى الوطن ليس في الفقر كمؤشر على غياب العدالة، ولا في اليسار الدولي كدليل على حروب الآخرين، بل في العقلية النابذة لفكرة الدولة والديمقراطية والتعددية، العقلية التي تعتبر كل رأي آخر بمثابة عدو، وهي تتلبس فكر اليمين وفكر اليسار على حد سواء.
بعد الحرب الأهلية بات على اليسار أن يعيد بناء ذاته لا استناداً إلى معيار حيازة الثروة أو ملكية وسائل الإنتاج بل إلى الموقف من إعادة بناء الدولة. تعميم هذا المعيار احتاج إلى ثلاثة عقود، امتدت من بداية التسعينات حتى ثورة 17 تشرين. غير أن بعض حاملي شعار الدولة هم من خريجي الحرب الأهلية الذين حافظوا على عدة الشغل ذاتها الملائمة لخوض المواجهات ولو من غير سلاح ناري.
تعيين حاكم مصرف لبنان وقبله قادة الأجهزة الأمنية أخرج الرغبة بالمواجهات من قمقمها. إعادة فرز اللبنانيين بين معسكرين متواجهين حول كل إسم، وهو فرز إن لم يذكر بانقسامات الحرب فهو يشير إلى أن اللبناني المتحدر من الحرب يميل إلى المواجهة وإلى الاصطفاف، مع أو ضد، لا إلى البحث عن تسويات.
هذا في حد ذاته ظاهرة صحية في الحياة السياسية اللبنانية تدل على الحيوية والتنوع، لكنه يتحول إلى خطر حين تتماهى السلطة بالجمهور أو الجمهور بالسلطة، أو بجهة منها، التي يعتبر أنها تمثله، وهو ما حصل مع من استغرب موقف رئيس الحكومة، إما “لإذعانه” لحكم “المنظومة”، وهذا موقف من توسم فيه خيراً يوم تكليفه بتشكيلها، إما لموافقته على اعتماد التصويت داخل مجلس الوزراء بدل التوافق، إما لتجرؤه على الاعتراض أمام رئيس الجمهورية، وهذا موقف الذين يفضلون المواجهة بين الرئيسين أو يفضلون فرز مجلس الوزراء بين جبهتين، على غرار ثنائيات الحروب، شرقية-غربية، مسلم- مسيحي، الأسد- عرفات، إيران- السعودية.
الاختلاف حياة الزمان والموت في التماثل”، يقول مهدي عامل. ما حصل في مجلس الوزراء دليل عافية، إذ احتكم المختلفون إلى “الكتاب”، لأول مرة منذ اتفاق الطائف، حيث كانت الترويكا، في عهد الوصاية السورية، تختصر المؤسسات وتنوب عنها، وبعد رحيل الجيش السوري، لم تعد “المجالس بالأمانات”، كل المجالس، والمعترضون يعتزلون مثلما اعتزل واصل بن عطاء، وبات أي تباين في الرأي مدعاة لنشر الغسيل على السطوح أو في الساحات أو في أروقة الدبلوماسية العالمية.
حسنا فعل مجلس الوزراء حين لجأ إلى التصويت لا إلى التوافق. وحسناً تفعل المعارضة اليسارية إن هي اعتمدت معيار الدولة والدستور لصوغ معارضتها البناءة.

About The Author