26 أبريل، 2024

د. محمد مجذوب

مداخلة في تقديم محاضرة الدكتور مجذوب في المجلس الثقافي للبنان الجنوبي

د. محمد مجذوب هو أستاذ القانون الدولي العام والتنظيم الدولي في جامعة بيروت العربية والجامعة الإسلامية في لبنان. رئيس المنتدى القومي العربي في لبنان. نائب رئيس المركز الثقافي الإسلامي. عضو اللجنة التنفيذية ومجلس أمناء مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نائب الأمين العام للمجلس الثقافي للبنان الجنوبي ، حاليا ، و لأكثر من مرة ، كاتب وأكاديمي وباحث … فضلا عن هذه كلها ، وقبلها ، كان رئيسا  للجامعة اللبنانية لسنوات ، وأستاذا فيها منذ الخمسينيات . وهو معنا الآن ليحدثنا عن تجربته في الجامعة اللبنانية .

أول مرة عرفته ، كنت طالبا في في كلية الآداب ، وهو كان أستاذا في كلية الحقوق. لست أذكر كيف عثرت على عنوانه واتصلت به ليحيي ندوة عن القضية الفلسطينية مع الدكتور جورج ديب بدعوة من نادي قريتي جرجوع . كان ذلك في بداية السبعينيات.

كان يرى القضية الفلسطينية بعين جيله الذي تربى على نهوض عربي بقيادة الزعيم العربي عبد الناصر الذي قال عنه : “ولد عبد الناصر من رحم أمةٍ كانت تعاني من وطأة الاستعمار، وطغيان الإقطاع، ونهب الثروات، وهدر الحقوق، واستشراء العــمالة والخيانة والتآمر. وأتيح له التأكد من تردّي الأوضــاع وانــهيار القيم الأخلاقية والقومية والإنســانية عندما كان هو، ورفاقه الجــنود، محــاصرين في ثكنة الفالوجة، أثناء حرب العام 1948، فتلقى أسلحة فاسدة من حكامه الفاسدين للدفاع عن شرف الأمة.”

ربما بسبب هذه الصورة الزاهية عن تلك المرحلة القومية ، وبسبب كونه من مواليد مدينة صيدا ذات العلاقات الحميمة والعميقة مع فلسطين … ولأسباب أخرى أيضا ، استمر أمينا لهذا التاريخ وحافظ على موقع قيادي له في المنتدى القومي العربي وفي مؤسسة الدراسات الفلسطينية.وربما بسبب ذلك تردد في اختيار نعت للربيع العربي ، أهو ثورة أم انقلاب ، فقال:  ” إن إنجازات ما سُمّي بالربيع العربي لا تشكل ثورة، لكنها انطوت، في بعض الحالات، على انقلاب. والاختلاف الجوهري بين الثورة والانقلاب يكمن في نوع الهدف الذي يرمي إليه كل منهما. ولست أعلم ما إذا كان يحق لنا اليوم أن نصر على تسمية ما قام به عبد الناصر ثورة أم أن نرى فيه ، على ضوء الربيع العربي ، انقلابا . الدكتور محمد مجذوب يأخذ الكلام نحو التحليل الأكاديمي لا نحو الأحكام السياسية ، وذلك بالرغم من انتمائه الصادق إلى الناصرية والحركة القومية العربية.

إنه يشد النقاش باتجاه المنحى الأكاديمي لأنه مال إلى البحث منذ أن قامت الجامعة اللبنانية ورافقها في كل مراحل تطورها ، بلغ بها الذروة مع رواد العلم والكفاءة ، لكنه لم يتمكن ، لا  هو ولا الرواد ولا الجامعة من الصمود أمام أخطبوط الفساد الثقافي والإفساد الأكاديمي . لم يكد يخرج الدكتور محمد إلى التقاعد حتى كانت كليات في الجامعة تتهاوى أمام هجوم كاسح من جهلة متكسبين ومتزلفين ، احتلوا إداراتها ومراكز القرار فيها، وحولوا بعض كلياتها إلى ما يشبه الحوزات والكتاتيب ، وانتهت المعركة بين جيل المؤسسين وجيل المخربين ، بين الجامعة والجامع ، إلى تعزيز دور المصلى على حساب المكتبة .

هل يتحمل جيل المؤسسين وزر هذا الانحدار المريع . قد لا تكون الحركة الطلابية التي ، لولا نضالاتها لما انبنت الجامعة ولما وصلت إلى ذروة جعلتنا نعتز بأن نكون من خريجيها ، لكن انحيازنا إلى المساواة ، حيث لا تصح المساواة في العلم ، جعلنا نسلم أجيال الحرب ذريعة الدفاع عن حق الفقراء في العلم ، ذريعة المساواة في الفرص ، فحولوها إلى أداة للتشبيح الثقافي دمرت مفهوم الجامعة والبحث العلمي والدراسات والمكتبات والندوات والمؤتمرات وأفرغتها كلها من مضامينها وشحنتها بالسمسرات وتجارة الشهادات ، الخ.

لا جيل المؤسسين ولا جيلنا ولا الحركة الطلابية المناضلة … لم يستطع أحد وقف الانهيار البطيء. الجامعة جزء من مؤسسات الدولة ، والدولة كلها في خطر .

لعل الدكتور محمد يقدم لن ،من خلال عرضه عن تجربته الجامعية، تشخيصا لهذا المسار الذي يشبه الخط البياني الذي رسمه إبن خلدون عن الحضارات : ولادة فشباب فكهولة . فهل من سبيل إلى عودة العصر الذهبي إلى الجامعة؟ هل من سبيل إلى إعادتها إلى شبابها؟

النهوض بها مجددا قد يحتاج إلى جيل جديد من خارج قيم الحرب . جيل يسعى لبناء دولة الكفاءة لا دولة المحسوبيات. ولا أحسب أن أحدا من القوى السياسية مهيأ لذلك .