21 نوفمبر، 2024

الخطاب الانتخابي الخشبي

حزب القوات

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=753830

محمد علي مقلد                                                                                      23-4-2022

ما سأكتبه عن حزب القوات يتعلق بالانتخابات فقط، وفي دائرة الجنوب الثالثة على وجه الخصوص. وهذا لا يَجُبّ ما قبله من نقد أو إشادة بحقه في الفترة السابقة، منذ زيارة جورج حاوي إلى غدراس، أي منذ أن حاول فريق من اللبنانيين، ومن بينهم القوات اللبنانية، الانسحاب من الرهان على الخارج، أي منذ أن فهم بعض اللبنانيين وليس كلهم، أنهم وقعوا ضحية من استدرجوه واستقووا به على أبناء بلدهم، فصح فيهم قول المتنبي

 ومن يجعل الضرغام للصيد بازه        تصيده الضرغام في ما تصيدا

أخطاء الحزب في هذه الدائرة فضحت أخطاءه في سياسته الانتخابية العامة. أولها أن مفاوضات الكواليس بينه وبين فريق من ممثلي الثورة كان يمكن أن تبقى ملك من تفاوضوا ولم يتوصلوا إلى اتفاق. أما أن يرفع الاهتمام بها إلى درجة استقدام المحازبين من الجنوب إلى معراب ليتبلغوا من الرئيس شخصياً “التكليف الشرعي” بالعزوف ترشحاً واقتراعاً، فذلك دليل على أن الأمر، “ليس رمانة بل قلوب مليانة”، والمؤسف أنها مليانة بالأدلة على موقفه الخاطئ من انتخابات دائرة الجنوب الثالثة وعلى سائر أخطائه الأخرى.

حزب القوات، بحسب خطاب التكليف الشرعي، ذهب إلى الجنوب بحثاً عن الحلفاء. مؤتمر معراب كشف أن حلفاءه ليسوا ممن تشارك معهم في الثورة بل هم طوائف. سنّة انسحبوا من الانتخابات، ودروز تعاونوا مع الثنائي “الوطني” بحسب النعت الذي يهواه الثنائي. إذن لم يبق أمامه إلا التفاوض مع البعض من “أخواننا” الشيعة. هذا هو جوهر السبب الأساسي في عدم التوصل إلى اتفاق. حزب القوات لا يحسن التفاوض إلا مع ممثلي الطوائف وحين لم يجد من يفاوضه منهم، انتهى حواره مع ممثلي الثورة إلى الفشل.

كلام الرئيس لم يكن زلة. بل هو من صميم البناء الإيديولوجي لحزب القوات. التمثيل السياسي في نظره هو تمثيل للطوائف، والنائب ليس نائباً عن الأمة بل عن الطائفة، والأدهى أن يكون عن حزب الطائفة. هذا هو معنى أنه كان يفاوض أهل الثورة باسم مسيحيي المنطقة بل باسم المحازبين فيها، فيما كان مفاوضوه يحملون في جعبتهم التفاوضية تنوعهم السياسي والديني والمذهبي، ويمثلون قوى الثورة، وهي قوى غير طائفية، ولم يكن من بينهم أي مرشح للانتخابات.

اختزال ممثلي الأمة بممثلي أحزابها هو من عاهات الأحزاب اللبنانية التي تنتمي كلها إلى فصيلة الأحزاب التوتاليتارية، وهو من عاهات قانون الانتخاب، ومن عاهات “البراكسس”، أي الممارسة السياسية للأحزاب. حزب القوات ليس وحيداً ولا موقفه في الجنوب الثالثة استثنائي. حتى نديم الجميل إبن بشير الجميل مؤسس القوات ورمز وجودها ليس ممثلاً صالحاً لمسيحيي منطقة الأشرفية.

 الممثل الصالح، في نظره، ينبغي أن يكون حزبياً ومن حزب القوات بالتحديد. حتى حزب الكتائب الذي خرج من رحمه صار يعد من الخصوم. فكيف بفارس سعيد وسمير فرنجية وبطرس حرب وسائر النواب المسيحيين الذين كانوا يفوزون على لوائح الحريري. الحزب أولاً قبل الوطن. هذا لسان حال التعصب القواتي أو العوني أو الشيعي من الثنائية. ومن الطبيعي ألا ينطق هذا اللسان بلغة الثورة لا في النبطية ولا في سواها من الدوائر.

ما هو الفرق بين القوات والثنائي في هذا الأمر. العقل الحزبي الطائفي ذاته. المسيحيون إما قوات أو تيار وطني حر، والشيعة إما أمل أو حزب الله. الخيار الثالث ممنوع في عرفهما، وكل خارج عنهما مدان بالتكفير أو بالعمالة. وبما أن الطيور على أشكالها تقع، لم يقع طير القوات على مفاوض من “شكله” ولهذا انتهى التفاوض إلى الفشل.

إذا كان حزب القوات قد اشترط، لكي يقترع للائحة، ألا يكون اتفاقاً من تحت الطاولة، بل اتفاقاً معلناً فهو لا يريد من “الإعلان” إلا توفير حجة إضافية للثنائي لتكفير اللائحة وحرمانها من أصوات شيعية لا يرضيها أن تقف على المنصة ذاتها مع حزب القوات، أما إذا عزف عن تأييدها لأسباب أخرى فعزوفه يصب في الهدف ذاته، أي حرمانها من أصوات مسيحية، وفي الحالتين يصب الموقف في خدمة لائحة الثنائي، هذا يؤكد ما تم تداوله عن تبادل خدمات مع الثنائي بين دائرتي النبطية والبقاع الشمالي.

تذرع حزب القوات بأن الخطاب السياسي الذي اعتمدته اللائحة أو الصادر عن بعض أعضائها يتميز “بتدني سقفه” حيال حزب الله وسلاحه، غير أن رئيس الحزب دعا إلى المشاركة الفاعلة في دائرة الجنوب الثانية، صور- الزهراني، دعماً للائحة مشابهة تشكلت من ممثلي الثورة وتبنت الخطاب ذاته تقريباً. وإذا كان اعتراضه على الأولى مستنداً إلى حادثة الجميزة مع الشيوعيين، فالحزب الشيوعي منخرط في اللائحتين، لأول مرة منذ دورة 1992 في مواجهة الثنائي.

وأخيراً وليس آخراً، دائرة الجنوب الثالثة هي الوحيدة في كل لبنان التي تمكنت فيها المعارضة من تشكيل لائحة في مواجهة المحدلة. وانتصارها في معركتها، بالفوز بحاصل انتخابي أو أكثر ينبغي أن يكون مهمة أولى أمام كل ثوار 17 تشرين، ومن بينهم القواتيون الذين لم ينخرطوا في الثورة سعياً وراء كرسي إضافي في المجلس النيابي، بل في مواجهة التحالف الحاكم من موقعهم الوطني لا الطائفي،  من أجل إعادة بناء لبنان الوطن حراً والدولة سيدة على حدودها وداخل حدودها.