24 نوفمبر، 2024

لا تولد الثورة من رحم الأحزان

12 أيلول 2020

https://www.nidaalwatan.com/article/29513

الصراخ من أعراض الغضب، إلا أنّه لا يشفي الموجوع. إذا توقّفت الثورة عند حدود الغضب ماتت. ما أسهل وصف الأعراض. جوع وبطالة وتشرّد وهجرة. قتل مُتنقّل ولصوص وشريعة غاب. ما أسهل الوصف. الروائي رشيد الضعيف يقول، لا شيء يفوق الوصف. لكنّ وصف الحالة يضيع في العموميات فيما الشيطان يكمن في التفاصيل. يستسهل ابن الرومي القول في المغنية إنّها الأجمل إطلاقاً، ويصعب عليه التحديد. هذا هو مأزقنا يا رفاق الثورة.

الثورة كلمة سهلة في فم شاعر. قد يكون نزار قباني على حقّ في قوله إنّ الثورة تولد من رحم الأحزان، ويطربنا القول بصوت ماجدة الرومي، لكنّ الأحزان رحم فحسب، إن بقيت الثورة في داخلها ماتت.

قد يكون محمود درويش على حقّ حين صرخ في وجه المحتلّ، حذار حذار من جوعي ومن غضبي. مضى على القصيدة ستّون عاماً من الأحزان والجوع والغضب خرجت من أرحامها ثورات وماتت ثورات. خرجت من رحم التشرّد والقهر وقتلها الجهل.

الثورة مغامرة يخطّط لها العقلاء، ومنهم من يقول العباقرة. ويخوضها الشجعان، أو المجانين، ويقطف ثمارها الجبناء، أو الإنتهازيون. ينسب هذا القول على اختِلاف مفرداته تارةً إلى نابليون، وأخرى إلى تشي غيفارا، ونسبه أحدهم إلى نجيب محفوظ، وقد لا نتفاجأ إن عثرنا عليه يوماً ما في نسخة من نهج البلاغة. قد نتّفق على تفاصيل هذا القول المُتعدّد الأنساب والألفاظ، لكن الأكيد أنّ الثورة لا تحيا إلا بالوعي. لماذا الثورة؟ وماذا تريد الثورة؟

الثورة اللبنانية مشغولة اليوم بالبحث عن قيادة. هذا ما طالبتها به السلطة يوم ولادتها، جواب العقلاء تمثّل في برنامج جمع أطيافها من أربعة أرجاء الوطن. كسبت الثورة جولتها الأولى حين توحّدت في وجه السلطة، مُحمّلة إياها مسؤولية تدمير الدولة ومؤسساتها وانتهاك سيادتها ونهب خيراتها. وتمكّنت، بفضل وحدتها ودقّة تصويبها، من تفكيك منظومة الفساد.

السلطة وراء استدراج بعض قوى الثورة وزجّها في مواجهات ثانوية. ليست الثورة من أضافت القضية الفلسطينية إلى قائمة مهمّاتها، ولا هي التي استقدمت هنيّة من غزّة، ولا هي التي أحيت المطامع السلطانية في المتوسّط، ولا هي التي أثارت قضية المفاوضات على الحدود مع إسرائيل ومع قبرص، وليست هي من أثارت مسألة السلاح غير الشرعي. لكن بعضها انزلق إلى جعل هذه القضايا تحتلّ الأولوية في جدول عمل الثورة، حتى صار الدفاع عن الدولة ودستورها ومؤسّساتها وسيادتها، لدى هذا البعض، قضية من قضايا.

هذه القضايا ليست قليلة الأهمية، غير أنّ قدرة الثورة على مواجهتها والتأثير فيها محدودة. السلاح غير الشرعي الذي يُمثّل عدواناً على سيادة الدولة، على تنوّع حامليه، أتى بتوازنات عربية ودولية، ولن يُعالج إلا بها.

لن يُغفر للثورة إن أغفلت أياً من هذه القضايا، ولن يُغفر لها إن أعطتها الأولوية. هي كلّها أجزاء من قضية مركزية تتعلّق بالدولة والسيادة والدستور وستبقى مادّة للسجال على كلّ المستويات. لكن على الثورة أن تركّز تصويبها على من يصمّ آذانه عن الشكاوى والنصائح، وعلى من يُمعِن في إلغاء الدولة ويُدمّر مؤسساتها، وأن تستذكر قولاً لماركس معدّلاً، “التاريخ لا يطرح من المشكلات إلا ما تكون البشرية قادرة على حلّها”.