18 أبريل، 2025

في نقد المنبر الوطني للإنقاذ

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=865053
  
الحوار المتمدن-العدد: 8313 – 2025 / 4 / 15 – 12:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

“ليس كل ما يلمع ذهباً”، “الثوب الأسود لا يصنع راهباً”. الأمثال السائرة والأقوال المأثورة اكتشفت حقائق عن طريق التجربة من غير أن تنتظر الفلسفة وأسئلتها العميقة! نقول، عن طريق المحاكاة، لا يكفي أن تكون معارضاً لمنظومة التدمير حتى تصبح من فريق إعادة الإعمار.
من باب البداهة أن العهد وحكومته يجسدان الرغبة بإعادة بناء الدولة بقوة “الكتاب” دستوراً وقوانين، واسترداد سيادته ممن فرط بها وانتهكها من الخارج والداخل. ولا يخفى على عاقل أن الحملة عليهما وعلى من يناصرهما وعلى من يطالب بمحاسبة مقترفي الجرائم المالية خاصة، مصوبة ضد مشروعهما المنصوص عليه في خطاب القسم وفي البيان الوزاري. غير أن هذه المقالة ليست معنية بأصحاب هذه الحملة، بل هي مهتمة حصراً بمناصري مشروع الدولة، ولا سيما منهم أهل المنبر الوطني للإنقاذ، الذين هم أهلي بصفتي واحداً من مؤسسي المنبر
هي صيغة جديدة من النقد أقوم بها، ، لترسيخ فكرة التنوع من داخل الوحدة، ولتأكيد القول المنسوب إلى مهدي عامل، “الموت في التماثل والاختلاف حياة الزمان”، ليطمئن أهل التغيير إلى أن رعاية التنوع هي أفضل صيغ الوحدة، ولتحفيزهم على الانخراط في تجربة المنبر ليشكل إطاراً تلتقي فيه أوسع مروحة من مجموعات التغيير المتحدرة من سلالة الثورة ومن مجموعات التغيير الراغبة ببناء وطن جديد يتسع لكل أبنائه ويليق بأجياله القادمة.
بحسابات الربح والخسارة يمكن القول إن انتخاب رئيس للجمهورية هو في حد ذاته هزيمة لفريق تعطيل الدستور، أو “تعليقه” بلغة الجمهوريات الوراثية والأنظمة “التقدمية”. الهزيمة الأخرى تتمثل بانتخاب جوزف عون ونواف سلام وبخطاب القسم والبيان الوزاري. هزيمتان عدّتهما قوى ثورة 17 تشرين بمثابة انتصار لمنطقها الداعي إلى التمسك بالدستور والعودة إلى دولة القانون والمؤسسات. مع أنها لا تملك ميزان قوى داخل المجلس النيابي يمكنها من تحقيق انتصار، لكن الذي انتصر هو منطقها ونهجها ومشروعها.
بالتحليل المنطقي، هزيمة فريق تعني انتصار فريق آخر. أهل المنبر عدوا أنفسهم من بين المنتصرين، متسلحين بكونهم متحدرين من سلالة معارضة شعبية وقفت خلال الخمسين سنة الماضية في مواجهة الفساد، وشاركت بأشكال شتى في التصدي للعدوان الإسرائيلي، واختارت الوقوف في وجه قوى الممانعة، وتوجت مواقفها خلال الثورة في الدفاع عن الدولة والدستور، ضداً على النهج المافيوي الميليشوي المسؤول عن النهاية الكارثية التي آلت إليها سياسة العهدين البائدين في لبنان وسوريا.
انتصار الثورة شيء وانتصار منطقها شيء آخر. الرئيس وعهده لا يمثلان الثورة بقدر ما يمثلان منطقها ونهجها ومشروعها، بعض المتحمسين تصرفوا وكأنهم هم صناع الانتصار، فأعطوا لأنفسهم الحق بالتدخل وإبداء الرأي وإطلاق الأحكام لتبرير قرارات السلطة التنفيذية والدفاع عنها أو للاعتراض على مواقفها أو للعتب وهذا أضعف الإيمان.
حتى لو أن الثورة هي التي انتصرت، فإن تحولها إلى سلطة يملي عليها تغييراً جذرياً في أدائها وأسلوب عملها. رجل الثورة يميل إلى التضحية، فيما على رجل السلطة أن يحرص ويحافظ. رجل الثورة يغامر فيما رجل الدولة يتعقل.
محك هذا الاختلاف يتجلى في أمرين، الأول هو الموقف من نتائج العدوان الإسرائيلي على لبنان وعلى حزب الله. من ينبغي أن يدفع ثمن الهزيمة هو سياسة حزب الله وليس جمهوره. والثمن لا يحدده حجم الضغائن ولا الرغبة بالثأر والانتقام، بل الحاجة إلى إعادة بناء الوطن والدولة والسلم الأهلي. رداً على شعار نزع السلاح وما ينطوي عليه من نكء جراح، اقترحنا على حزب الله أن يهدي “انتصاره” للشعب وسلاحه للجيش.
الأمر الثاني، وربما يكون الأصعب، يتمثل في كون لغة الحرب الأهلية ومصطلحاتها تطل برأسها، خصوصاً في اللحظة الواقعة بين موت القديم وولادة الجديد، حتى عند الذين طووا صفحتها وانخرطوا صادقين في معركة الدفاع عن دولة القانون والمؤسسات. المحاصصة في تشكيل الحكومة مثلاً أو التعيينات الإدارية والأمنية أو طريقة المحاسبة. ذلك أن من غير الممكن أن يتطابق منطق الثورة مع منطق السلطة حتى لو انبثقت منها.
الآن، في الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، تقتضي صدقية شعار الدولة في لبنان أن يغادر المقاتلون متاريسهم ويتخلوا عن أسلحتهم، الإيديولوجية منها قبل الحربية، وأن يغادر الكتاب والمؤرخون والإعلاميون مفردات الصدام والانقسام والجبهات وتبرئة النفس وتحميل الآخر المسؤولية. ولا ينقذ الوطن من مغبة استحضارها إلا النقد الذاتي الصارم لطي صفحة الحرب الأهلية.

About The Author