13 آذار 2020
غاب “حزب الله” عن النص (نص حركة المبادرة) غياباً كاملاً لا يشبه غيابه عن خطاب الثورة على اختلاف وسائل تعبيرها. في النص تورية غير بليغة ولعب لغوي يشير إلى “حزب الله” بالكناية. أما الثورة فلم يرد في خطابها أي إشارة إلى “حزب الله” لا بالتورية ولا بالتسمية الصريحة. والفارق بين الغيابين جوهري. في النص أصيل ووكيل، يغيب أحدهما ليحضر الآخر. أما في الثورة فلا وكيل ولا أصيل.
السبب بسيط جداً. حركة المبادرة تنطلق من نظرية المؤامرة ودور العوامل الخارجية، فيما تشدد الثورة على العامل الداخلي. يظهر ذلك جلياً في البرنامج، إذ تشدد حركة المبادرة في برنامجها على أن الوصاية تحمي الفساد والفساد يحمي الوصاية. لكن الكلام عن وصاية إيرانية هو هروب لغوي فحسب من تحميل المسؤولية عن الأزمة بالإسم لـ”حزب الله”. أما برنامج الثورة فهو محدد حصراً ببنود إصلاحية تتعلق بالنظام اللبناني وآليات عمله، كما أن تشخيصها الأزمة لم يتضمن أية إشارة إلى أعداء الخارج من الإمبريالية والصهيونية والاستعمار، لا ليرفع عن هذه الأطراف تهماً قد تكون مستحقة، بل ليحدد موقع الثورة باعتبارها ثورة ضد استبداد داخلي المصدر بالدرجة الأولى.
إنتفاضة الاستقلال كانت قد انتهت إلى الفشل رغم أنها ساهمت بخروج القوات السورية، ويعود السبب في فشلها إلى أن الخطر في نظرها كان خارجياً، واعتقدت أن زواله كاف لإعادة لبنان إلى سكة السلامة، وعلى هذا الاعتقاد نهض التحالف الانتخابي الرباعي.
الارتباك أمام مسؤولية “حزب الله” المدعوم من إيران تكرار للارتباك أمام مسؤولية نظام الوصاية السوري، الذي تراوحت نعوته وأسماؤه بين الوجود والاحتلال والعلاقات المميزة. ذلك أن القوى ذاتها التي قاومته بصفته قوة خارجية هي التي كانت قد شاركت باستدراجه للاستعانة به على بعضها البعض، وهي التي طالبت برحيله قبل أن تقوم بعملية قطع حساب عن مسؤوليتها في الحرب الأهلية، أي قبل أن تحدد مسؤولية الأطراف الداخلية عن سلوك خيار الحرب لمعالجة الأمور المتعلقة بانتهاك السيادة وبإصلاح النظام.
نعم. “حزب الله” مسؤول لا بسبب قوته العسكرية، فالقوة العسكرية لم تنقذ نظام الشاه ولا النظام الشيوعي في موسكو، بل بسبب مشروعه السياسي الذي لا يؤمن بالدولة ولا بالديموقراطية. ولا لأنه يتلقى تعاليمه وتعليماته من إيران ولا لأنه يعتاش على مساعداتها المالية والتسليحية، بل لأن برنامجه يقوم على عدم الاعتراف بلبنان وطناً نهائياً، شأنه في ذلك شأن القوى القومية واليسارية والاسلامية والمسيحية، التي كانت تريد لبنان وكيلاً لقوى خارجية وجزءاً من صراعاتها وتعمل على إدخاله في محاورها.
لقد أصابت الثورة حيث أخطأ سواها. أصابت لأنها حمّلت جميع القوى مسؤولية انهيار الدولة ومسؤولية استدراج الخارج، وهذا هو مصدر قوة الشعار، كلّن يعني كلّن، لكنها ميزت بوضوح بين “حزب الله” كقوة سياسية وبين جمهوره، تماماً كما فعلت مع سائر القوى الأخرى. خط التصويب عندها هو الخطر المتمثل بانتهاك السيادة من الداخل وتوزيعها إلى سيادات بين زعماء الطوائف والأحزاب والمناطق، وهو نهج مبتكر من الاستبداد يقوم على إلغاء الدولة والدستور والمؤسسات وعلى تقاسم الثروة الوطنية المادية والبشرية بالمحاصصة، بالاستناد إلى دعم خارجي.
مقالات ذات صلة
جامعة الأمة العربية ومحكمة العدل الشعبية
نقول لحزب الله ما اعتدنا على قوله
الإذعان بعد فوات الأوان